US Manipulation in the Syrian Arena

<--

قرع طبول المواجهة مع إيران والانسحاب الأميركي من العراق  

د. يوسف عبد الله مكي

المتابعون لمجرى تطور الأحداث في العراق، يدركون أن القوى الموالية لإيران تسيطر على جميع مفاصل الدولة، وأن ليس بقدرة القوى الأخرى الإجهاز عليها وأخذ مكانها، على الأقل في المدى المنظور

هل نحن أمام مواجهة عسكرية جديدة قريبا من ضفاف الخليج العربي؟ أم أن لهذه التهديدات أسبابا تقف خلفها؟ وإذا ما افترضنا جدلا أن الضربة العسكرية قادمة لا محالة، فما هي حدودها؟ وما هي ردود الأفعال المتوقعة من إيران؟ وما هي انعكاسات ذلك على أمن الخليج؟ وبالتالي على تدفق النفط للأسواق العالمية؟ 
تصدرت هذه الأسئلة حديثنا السابق (الأربعاء الماضي)، وحاولنا قدر ما تتيحه المساحة أن نرسم صورة بانورامية لمشهد التشابك في العلاقات الأميركية- الإيرانية الذي بلغ حد تواطؤهما على أفغانستان والعراق. بما يعني أن أي مواجهة عسكرية حقيقية بين الأميركيين والإيرانيين، تقتضي فك الارتباط بينهما في العراق وأفغانستان، كما في المسائل الإقليمية الأخرى, قبل حدوث أية مواجهة. 
الأوضاع في العراق، بعد الانسحاب الأميركي المرتقب، تشير إلى واقع لا يسمح مطلقا بالقطيعة بين الأميركيين والإيرانيين. فهذا الانسحاب كما تشير الأخبار المتواترة لن يكون نهائيا. ولسوف يأخذ بقاء الأميركيين أشكالا أخرى، سياسية وأمنية واستخباراتية، وعسكرية أيضا ولكن بإيقاع أقل مما هو عليه الآن. 
وهنا تتبادر إلى الذهن أسئلة مهمة حول مستقبل العراق بعد الانسحاب الأميركي. هل من المعقول أن يترك الأميركيون العراق عرضة للفوضى، ويبقوه في مهب الريح، بعد الكلف الباهظة التي تعدت الألف مليار، دونما ضمان لحماية مصالحهم في أرض السواد؟ في هذه الحالة لا نتصور أن يثق الأميركيون بقوة تؤمن مصالحهم في المستقبل القريب، غير القوى التي اعتمدوا عليها في العملية السياسية التي نفذوها بعد الاحتلال. وهي قوى في معظمها موالية ومرتبطة بإيران.
ولكي لا يكون كلامنا استغراقا في الإنشاء، نقول بصراحة إن القوى الرئيسة في العملية السياسية، يمكن تصنيفها في ثلاثة أقسام. القوى الكردية، وتتواجد في شمال العراق، وقد نالت ما هو أعلى من الاستقلال الذاتي، منذ مطالع التسعينات، بعد أن فرض الأميركيون الحظر الجوي على المناطق الكردية. هؤلاء لن تتغير أوضاعهم كثيرا بالانسحاب الأميركي، والأمر الأسوأ هو أن تتناحر أربيل مع السليمانية، استمرارا للخلاف التقليدي بين البرزاني والطالباني، الذي بلغ حد الصراع الدموي في حالات عدة. 
القسم الآخر، تمثله ثلاثة مجموعات هي على التوالي: حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الحكومة نوري المالكي، والمجلس الأعلى ويتزعمه عمار الحكيم، والتيار الصدري ويقوده مقتدى الصدر. والتيارات الثلاثة تختلف في برامجها السياسية، وتتناحر فيما بينها، لكنها تلتقي جميعا في ولائها لإيران وللولي الفقيه. 
وإذا ما رجعنا لتاريخ هذه الحركات السياسية الثلاث، فإن حزب الدعوة تأسس قبل ثورة الجمهورية الإسلامية بعدة عقود، وكان يحظي بتأييد وتمويل من شاه إيران، لكنه بعد سقوط الشاه أدار له ظهر المجن، وأيد الثورة التي قادها الإمام الخميني. 
والأمرلا يختلف كثيرا مع آل الحكيم، الذين نشطوا كمرجعية دينية بمدينة النجف. وكان اختيار الخميني للسيد محمد باقرالصدر ليؤسس حزبا سياسيا، مواليا لإيران، على غرار حزب الله اللبناني، لكنه اعتقل من قبل حكم البعث ونفذ فيه حكم الإعدام، قبل أن ينجز مهمة تأسيس الحزب، مما اضطر القيادة الإيرانية مكرهة، للقبول بالمجلس الأعلى، بقيادة السيد محمد باقرالحكيم الذي صفي من قبل التيارالصدري بعد فترة وجيزة من الاحتلال الأميركي للعراق. لقد وجدت قيادة الجمهورية نفسها مجبرة على التعامل مع الحكيم، رغم علاقة والده الجيدة مع شاه إيران، واستقباله لزوجة الشاه، فرح بهلوي، ودعواته لها بالتوفيق قبل نجاح الثورة بعدة أشهر. لم يكن هناك مفر من قبول آل الحكيم أمام الافتقار للشخصية القيادية القادرة على تأسيس حزب موال بالكامل لإيران، قادرعلى مناهضة النظام العلماني في العراق.
القوة الأخيرة في هذه المجموعة، هي التيار الصدري، وهو الأقرب إلى نموذج حزب الله، رغم أنه يفتقر إلى الدقة في التنظيم وإلى وجود شخصية قيادية كارزمية.
وهذه القوى على ما بينها من اختلافات، فإنها جميعا تتحالف مع طهران وتنفذ سياساتها.
أما القوة الثالثة، وهي خارج العلاقة مع الأكراد وإيران، فإنها مجموعات متناثرة، وغير متجانسة يجمعها ولاؤها لأميركا وانخراطها في العملية السياسية التي هندسها بول برايمرز، وتسلمها لمراكز في الدولة العراقية، لكنها ليست مقتدرة على الإمساك بمفردها بزمام الأمور في العراق، وتضم هذه القوى إياد علاوي وطارق الهاشمي وصالح المطلق وأحمد الجلبي.
المتابعون لمجرى تطور الأحداث في العراق، يدركون أن القوى الموالية لإيران تسيطر على جميع مفاصل الدولة، وأن ليس بقدرة القوى الأخرى الإجهاز عليها وأخذ مكانها، على الأقل في المدى المنظور.
القوة الوحيدة التي يخشاها المالكي وحلفاؤه، هي المقاومة العراقية التي أثبتت جسارة وشجاعة واستبسالا في مواجهة الاحتلال الأميركي، والقوى التي تحالفت معه. وهذا ليس تقريرا من جانبنا، بل تؤكده حملة الاعتقالات الواسعة الاستباقية التي شنتها حكومة المالكي مؤخرا، بادعاء ممارسة قانون الاجتثاث والقضاء على محاولة انقلابية خطط لتنفيذها حزب البعث في العراق. وقد شملت الاعتقالات جميع مكونات النسيج الوطني العراقي. 
كيف للإدارة الأميركية، في ظل هذه الأوضاع المعقدة والمتشابكة، أن تقدم على أي عمل عسكري ضد إيران، وهي مكشوفة من الخلف، بينما يوجد لإيران طابور خامس في عدد من بلدان المنطقة، وفي مقدمتها العراق. هل سيلجأ الأميركيون إلى التفاوض مع المقاومة؟ ذلك سؤال افتراضي لا ترجحه الوقائع المتاحة أمامنا، خاصة وأن بيانات المقاومة الوطنية تؤكد على مواصلتها للجهاد حتى يخرج المحتلون الأميركيون والإيرانيون نهائيا من العراق.
أما الوضع في أفغانستان، فإنه شجون في شجون، وربما تمكنا من تناوله مستقبلا.
يبقى السيناريو الأقرب إلى المنطق هو أن يقوم الكيان الصهيوني بمفرده بتوجيه الضربة العسكرية لإيران، لكن لذلك أيضا محاذيره الكبيرة، التي سنتناول مناقشتها بالقراءة والتحليل في الحديث القادم بإذن الله

About this publication