هل نحن في الطريق إلى اتفاقية «سايكس بيكو» جديدة ؟!
لم يدرك الرؤساء العرب مضمون تصريحات كوندليزا رايس عندما كانت وزيرة الخارجية الأمريكية عن الفوضى الخلاقة التي ستعم منطقة الشرق الأوسط لخلق شرق أوسط جديد ، ولم يدركوا أيضًا أن هذه الفوضى الخلاقة ستلحق بهم إن عاجلا أم آجلاً .
ومما لا شك فيه ان تلك التصريحات كانت مؤشرًا واضحًا في ذلك الحين على أن الإدارة الأمريكية قد تخلت عن دعم حلفائها التقليديين من الرؤساء والقادة العرب وترغب في تغيير هؤلاء القادة وحكوماتهم ، وظل هؤلاء القادة على نفس النهج الذي تعودوا عليه في فسادهم وغناهم الفاحش غير الشرعي، والذي أعماهم عن التفكير في الإصلاح وتغيير سياستهم، معتقدين أنهم باقون للأبد وبتوريث أبنائهم من بعدهم ، وبالتالي استمروا بسياسة الضرب بيد من حديد والبطش ضد كل من يرفع صوته معترضًا ، أو يحاول الحديث عن الإصلاح ، واستمرت الأجهزة الأمنية القوية الموظفة لهذا الغرض بالقيام بهذا الدور القمعي ضد شعوبها ، بالرغم من أن كل المؤشرات كانت توحي بأن الشعوب فقدت صبرها وقدرتها على التحمل ، وأنها ستنتفض ضد الوضع القائم في بلادهم ، وأنها ستنجح في ظل عدم تحريك الإدارة الأمريكية ساكنًا لدعم وحماية حلفائها الذين استغنت عنهم بعد انتهاء دورهم في تحقيق مصالحها .
وصلت درجة استهتار هؤلاء القادة العرب بشعوبهم إلى حد التزوير الكامل والفاضح والعلني لنتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية في بلدانهم، والاستمرار في الفساد المالي والسياسي والأخلاقي والاجتماعي، وبسياسة التوريث لأبنائهم ، مما زاد الشعوب قهرًا وقربًا من الانتفاضة ، وهذا دفع الشباب العربي إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل «الفيس بوك» و«التويتر» و«الايميل» في التعبير عن آرائهم والتواصل فيما بينهم للتحضير والتشجيع لثورات شعبية ضد حكوماتهم وقادتهم ، دون قدرة وإمكانية للأجهزة الأمنية من وقف هذا التواصل الذي كان يتم غالبًا بأسماء وهمية ومستعارة.
بعد أن قامت أول ثورة عربية في تونس ضد الرئيس وحكومته ونجحت ، اعتقد الرؤساء العرب الآخرون أن الوضع في تونس يختلف عما هو في بلادهم ، حيث قال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك أن مصر ليست تونس ، كما قال القذافي أن ليبيا ليست تونس ومصر ، وهكذا قال الرئيس اليمني السابق والرئيس السوري ، وهي البلدان الأكثر فسادًا في حكم قادتها .
لكن ما حصل بعد ذلك هو سقوط مبارك وأعوانه وحكومته ، وكذلك الحال في ليبيا واليمن ، والوضع في سوريا يسير على نفس المنهاج ، والحبل على الجرار .
الأمر الغريب والملفت للنظر لمن لا يدرك السياسة الأمريكية المتقلبة حسب مصالحها ، أن الإدارة الأمريكية كانت أولى الدول الداعمة لكل ثورة شعبية وخصوصًا الثورة المصرية كون مصر هي الدولة العربية الكبرى، ونجاح الثورة فيها أمر هام ، يمهد الطريق لنجاح الثورات العربية الأخرى على حلفائها التقليديين.
وهنا علينا أن نتذكر ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في اليوم الأول من الثورة المصرية وقبل سقوط مبارك إن عليه أن يذهب -الآن الآن – وسقط مبارك في نهاية المطاف ، كما حركت الإدارة الأمريكية قوات «الناتو» عسكريًا لإسقاط القذافي وأعوانه وأسقطته ، كما ساهمت في إسقاط الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ، وتساهم حاليًا في دعم المعارضة السورية وغيرها لإسقاط الرئيس بشار الأسد ، هذا عدا عما تقوم به من مؤامرات في العالم العربي، كما يحدث في البحرين والعراق وتقسيم السودان، وغيرها من ابتزاز للدول العربية الأخرى.
ومما لا شك فيه أن الإدارة الأمريكية لا تدعم ثورات الشعوب العربية حبًا في نجاح هذه الثورات لتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية للشعوب، مثل ما تهدفه فعلاً هذه الثورات لتحقيق الاستقرار والأمن لشعوبها في الدول الثائرة ضد حكامها الفاسدين ، وإنما تهدف الإدارة الأمريكية الى استثمار هذه الثورات لتحقيق الهدف الذي صرحت عنه كوندليزا رايس منذ سنوات عن الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الوسط ، حيث ستسعى الإدارة الأمريكية بعد نجاح هذه الثورات كاملة في كل بلد عربي لخلق انقسامات خطيرة بين الثوار والقيادات وغيرهم ، كما يحدث حاليًا من مشاكل خطيرة في مصر بالذات، وكذلك السودان والعراق وليبيا، ومن انقسامات بين المعارضة في سوريا حتى قبل نجاح الثورة في سوريا.
ومما لا شك فيه أن هذه الانقسامات ستؤدي في نهاية المطاف إلى نجاح الإدارة الأمريكية بخلق فوضى في العالم العربي، تؤدي إلى تقسيم كل دولة عربية إلى عدة دويلات صغيرة منقسمة على نفسها، ومشاكل وحروب أهلية وداخلية، ستقضي على كل الآمال العربية في إيجاد عالم عربي قوي يكون له وزنه في الساحة الدولية، كالاتحاد الأوربي والصين وروسيا ودول شرق آسيا، وتصبح هذه الدويلات ليس لها موارد ومقومات الدولة ، وتبقى معتمدة اقتصاديًا على الدعم الأمريكي لها ، ومنفذه للسياسة الأمريكية في المنطقة ، وخاصة الدعم المطلق لإسرائيل ، بل والضغط على هذه الدويلات للاعتراف بإسرائيل وانشاء علاقات دبلوماسية معها كما حدث في جنوب السودان حاليًا .
ومن هنا ستنجح الإدارة الأمريكية في تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو جديدة في المنطقة ، وينتهي دور الانتماء للعروبة والإسلام، وهذا ما ترغب أن تصل إليه الإدارة الأمريكية في المنطقة وبعض حلفائها الاوروبيين.
ومن المؤسف له أن كافة قيادات الثورات العربية التي نجحت الثورات في بلادها أو مازالت ثائرة ، تسير في منعطف تنفيذ هذا المخطط الأمريكي وهي لا تدرك أن انقساماتها ستحقق هذا المخطط اللعين .
وهنا علينا أن نتساءل : هل سيصحو قادة الثورات العربية ويتعالون عن خلافاتهم وانقساماتهم في بلادهم ليفشلوا هذا المخطط الإمبريالي الذي سيكسر إرادة الأمة العربية ؟! .
لا أريد أن أقول أنهم لن يصحوا ، ولكن ما أريد قوله “ما أخشاه أن لا يصحوا” .
وهنا ليس أمامنا إلا أن نقول “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.
Back
1
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.