What the West Wants from Syria

<--

تاريخياً، كانت سورية الطبيعية في دائرة الاستهداف من كل الإمبراطوريات التي حاولت التمدد شرقاً وغرباً بحكم موقعها الجيوسياسي، وثقلها الإقليمي وأرجحيتها في لعبة التوازن الاقليمي والدولي،

ولعل أخذ مقطع تاريخي لسير الاحداث في المنطقة منذ خمسمئة عام وحتى الآن يدل دلالة قطعية على ذلك، وحتى لا ندخل في تفاصيل التاريخ يمكننا ان نقرأ وضع المنطقة وتفاعلاتها السياسية ومستويات وأدوات الصراع فيها خلال العقود الستة الماضية، أي منذ بداية عصر الاستقلال، لشعوب المنطقة وحتى الآن، لنكتشف أن سورية التي تحررت من الاستعمار الفرنسي في منتصف أربعينيات القرن الماضي وجدت نفسها تخوض معركتين في وقت واحد، معركة بناء الدولة الوطنية ومواجهة إسرائيل التي ترافق قيامها مع مرحلة الاستقلال حيث اعتبر السوريون قضية فلسطين قضية وطنية قبل أن تكون مسألة تأييد ومساندة لشعب شقيق، إضافة الى انها اصبحت بالنسبة للقوى السياسية وللساسة في آن معا قضية وجود او لا، وجود لا.. بل انها بوابة العبور لقيادة الدولة والمجتمع لأي طامح في ذلك ومن هنا اصبحت القضية الفلسطينية ثابتة في الوجدان الجمعي السوري والخطاب السياسي في آن معاً، ولهذا السبب بالذات تشكلت نقطة الخلاف والتناقض الاستراتيجية بين سورية والغرب الحاضن والمساند والمدافع عن اسرائيل، ولعل استعراض السياسة السورية والعلاقة مع القوى الخارجية – من ذلك التاريخ وحتى الآن – يؤكد صحة هذه الفرضية بدليل إن التنافر السياسي بين دمشق وعواصم الغرب كان وما زال هو السمة الغالبة لذلك، لسبب بسيط هو أن السياسات الغربية تجاه سورية كانت تنطلق من موقفها من قضية الصراع العربي – الصهيوني لكونها الدولة القائدة لذلك الصراع وخط المواجهة المباشر له، وهو بالمناسبة خط يتجاوز الجغرافيا الإقليمية لأنه يرتكز إلى حامل سياسي ونضالي عابر للحدود، ولا شك في أن تمركز السياسات الغربية وتحديداً الأمريكية حول مسألة الدفاع والحفاظ على أمن اسرائيل، واستهداف من يواجهها بحكم التأثير اليهودي في المجتمعات الغربية وسيطرة اللوبي الصهيوني على المطبخ السياسي الغربي ولا سيما الأمريكي هو الذي يفسر ذلك، لا بل إن الحفاظ على أمن واستقرار وحماية اسرائيل وتفوقها النوعي أصبح ثابتاً في الخطاب السياسي الامريكي، وجزءاً لا يتجزأ من العقيدة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، تماماً كما هو شأن ثبات القضية الفلسطينية وقدسيتها في أدبياتنا السياسية السورية، اذ ثمة تنافر بيّن وواضح وعميق بين رؤيتين واستراتيجيتين تشكلان ثوابت لدى كل من الطرفين.‏

لقد حاول أكثر من رئيس أمريكي فك الارتباط ولو جزئياً بين السياسة الأمريكية في المنطقة وما تتطلبه اسرائيل، وكان مصيره الإقصاء السياسي أو النهاية، وهذا ما كان عليه مصير كل من جون كنيدي الذي اغتيل وكذلك الرئيسيان الامريكيان جيمي كارتر وبوش الاب على الرغم من خدماتهم التي قدموها لذلك الكيان حيث لم يعد انتخاب أي منهما فترة رئاسية ثانية بسبب انخراطهما في الدعوة لحل سلمي للصراع العربي – الاسرائيلي على الرغم من ان الرئيس كارتر كان هو العراب لاتفاقية كامب ديفيد والصلح المصري – الاسرائيلي، وباعتقادنا أن المصير نفسه سيلاقيه الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما الذي يبدي اهتماماً ظاهرياً لحل ما يسمى الدولتين .‏

ومن وجهة نظرنا إن مشكلة سورية ونظامها السياسي مع الغرب بضفتيه هو موقفها الثابت من القضية الفلسطينية ودعمها للمقاومة وعدم انخراطها في مشاريع التسوية التي سبقها إليها كل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، لأن لسورية رؤية في عملية السلام لا تتفق مع المنهج الذي تتبعه إسرائيل والقائم على كل السلام مقابل جزء من الأرض، وليس كل الأرض مقابل السلام وهو جوهر الموقف السوري من عملية السلام منذ عدة عقود.‏

إن دعم الغرب للمعارضة الخارجية ومساندته لها واستمراره في توجيه القصف السياسي لدمشق واستهدافها عبر المنصات الدولية وسعيه الحثيث لإسقاط نظامها السياسي عبر حوامله التي ارتكز إليها منذ خمسة عقود، وفشله في ذلك جعله ينتقل إلى سيناريو بديل يتمثل بالعمل على استنزافها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً من خلال معطيين، أولهما إطالة زمن الازمة والتركيز على المشهد العنفي بهدف إسالة المزيد من الدماء، والدفع بالأزمة الى مزيد من التعقيد ما يسد أي أفق باتجاه مخرج سياسي هي لا ترغبه ضمناً بدليل أن الخطة التي قدمها كوفي أنان لتشكل مخرجا من الأزمة تم رفضها من المعارضة الخارجية التي تدور في فلكها ورافقها منذ موافقة سورية عليها حملة تشكيك غير مسبوقة مؤداها أن الحكومة السورية غير جادة في تنفيذها، كل ذلك ترافق مع زيادة في منسوب العنف من قبل المجموعات المسلحة، والهدف الواضح من ذلك هو ألا يتم الدخول في جوهر الخطة وهو انخراط الحكومة والمعارضة في عملية سياسية تنتهي الى خريطة طريق للخروج السلمي من الأزمة وهنا كان على الممثل الأممي أن يفتح مسارا سياسيا موازيا لمسار وقف العنف ليكتشف حقيقة من هو مع أو ضد خطته من كل أطراف الأزمة في الداخل والخارج، ناهيك عن أن فتح مسار سياسي سيساهم في خلق مناخات داخلية واقليمية ودولية تدفع باتجاه الحل لا التصعيد، ولكن من الواضح تماماً ومن خلال قراءة مواقف الأطراف الداخلة على خطوط الأزمة أننا أمام مشهدين متناقضين شكّلا الى حد ما، حالة استقطاب دولي واقليمي، مشهد يدفع باتجاه الحل السياسي وتمثله كل من سورية وروسيا والصين وبعض الحلفاء الاقليميين والدوليين، ومشهد آخر تمثله كل من قطر والسعودية وتركيا وفرنسا وامريكا وضمنا المعارضة الخارجية، يراهنا على سقوط سورية بالنقاط عبر الاستنزاف او بالسعي لاستحضار النموذج الليبي وخيار القوة العسكرية عبر مظلة دولية يبدو أفقها قاتماً ومستبعداً راهناً لمعطيات تتعلق أولاً بقوة الداخل السوري، وتماسكه واستطالة عمقه الاستراتيجي المقاوم، إضافة الى درجة ثبات الموقفين الروسي والصيني اللذين يستندان الى حسابات استراتيجية تتعلق اولاً بأمنهما القومي، وثانيهما الحيلولة دون وقوع المنطقة خزان العالم من النفط والغاز وخزانه الروحي ايضأ في قبضة الامريكي المتحالف مع التيارات الاسلاموية المهجنة، التي يبدو أن اسطنبول الأردوغانية حاملة العثمانية الجديدة أصبحت تمنحها تأشيرة دخول الى النادي الديمقراطي الاوروبي في تراجيديا الرقص في عرسين في زمن واحد؟‏

About this publication