The US and the “G-0” Moment

Edited by Gillian Palmer

<--

ر

كانت الأزمة المالية في العام 2008 بمنزلة النهاية للنظام العالمي كما كنا نعرفه، ومن المستحيل قبل انعقاد قمة مجموعة الثماني المرتقبة

أن نتجاهل حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة، لأول مرة في سبعة عقود من الزمان، أصبحت عاجزة عن قيادة الأجندة الدولية، أو تقديم الزعامة العالمية في ما يتصل بكل المشكلات الأكثر إلحاحاً اليوم .

والواقع أن الولايات المتحدة قلصت حضورها في الخارج عندما رفضت المساهمة في إنقاذ منطقة اليورو، أو التدخل في سوريا، أو استخدام القوة لاحتواء الطموحات النووية الإيرانية (على الرغم من الدعم الإسرائيلي القوي) . فقد أنهى الرئيس باراك أوباما رسمياً الحرب في العراق، وهو الآن يسحب قوات الولايات المتحدة من أفغانستان بوتيرة لا يقيدها إلا ضرورة حفظ ماء الوجه . إن أمريكا تسلم الآن عصا القيادة، حتى لو لم تكن هناك أي دولة أخرى أو مجموعة من الدول راغبة أو قادرة على حملها .

باختصار، قد لا تقل السياسة الخارجية الأمريكية الآن نشاطاً عن أي وقت مضى، ولكنها آخذة في التضاؤل، وأصبحت أكثر تشدداً في ما يتصل بتحديد الأولويات . ونتيجة لهذا فإن العديد من التحديات العالمية تغير المناخ، والتجارة، ونُدرة الموارد، والأمن الدولي، وحرب الفضاء الإلكترونية، والانتشار النووي، على سبيل المثال لا الحصر من المحتم أن تصبح أعظم خطراً الآن .

مرحباً بكم في عالم “مجموعة الصفر”، بيئة أكثر اضطراباً وأقل يقيناً، حيث سقط التنسيق في ما يتصل بقضايا السياسة العالمية على جانب الطريق . ومن عجيب المفارقات هنا أن هذه البيئة الجديدة، على الرغم من قسوتها، فإنها أقل إزعاجاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ بل إنها توفر لها فرصاً جديدة للاستفادة من وضعها الفريد . إن عالم “مجموعة الصفر” ليس سيئاً بالكامل بالنسبة إلى الولايات إذا لعبت أوراقها بشكل سليم .

إن العديد من مواطن القوة المتبقية تكتسب قدراً أعظم من الأهمية في مثل هذا العالم، وتظل أمريكا تمثل القوة العظمى العالمية الحقيقية الوحيدة، وتظل صاحبة أضخم اقتصاد على مستوى العالم . . فلايزال حجم اقتصادها ضعف حجم اقتصاد الصين، ويمثل إنفاقها الدفاعي ما يقرب من نصف ما ينفقه العالم أجمع على الدفاع، ويتجاوز إنفاق الدول السبع عشرة التالية للولايات المتحدة على الدفاع مجتمعة . ويظل الدولار العملة الاحتياطية الرئيسة في مختلف أنحاء العالم، ويؤكد تكالب المستثمرين على ديون الحكومة الأمريكية مع كل ارتفاع حاد لها في وقت الأزمة منذ العام 2008 على وضع أمريكا باعتبارها ملاذاً آمناً (حتى في الأزمات التي أحدثتها أمريكا) .

وعلى نحو مماثل، لاتزال الولايات المتحدة تحتل مركز الصدارة في مجالات مثل ريادة الأعمال، والبحث والتطوير، والتعليم العالي، والإبداع التكنولوجي . فضلاً عن ذلك فإنها الآن الدولة الأكبر على مستوى العالم في إنتاج الغاز الطبيعي وتصدير الوحدات الحرارية، الأمر الذي قلل من تعرضها لصدمات الأسعار أو نقص المواد الغذائية .

ولنتأمل هنا آسيا على سبيل المثال، فمع تنامي أهمية الصين الاقتصادية ونفوذها الإقليمي، فإن جيرانها يسعون إلى تعميق علاقاتهم بالولايات المتحدة، ومؤخراً أتمت اليابان وأستراليا وإندونيسيا وتايوان اتفاقيات تجارية وأمنية مع الولايات المتحدة، وحتى بورما لحقت بالركب وقررت استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة مع العمل في نفس الوقت على الخروج من ظل الصين .

بعبارة أخرى، في عالم “مجموعة الصفر”، تعمل البيئة العالمية المتزايدة العدائية على جعل الولايات المتحدة أكثر جاذبية في نظر البلدان التي تسعى إلى تأمين رهاناتها، ونتيجة لهذا فإن الولايات المتحدة لديها الفرصة للعمل بشكل أكثر دقة بما يتفق مع مصالحها الخاصة . إن تقديم قدر أقل من الزعامة يسمح للولايات المتحدة بوضع تكاليف كل فرصة على الميزان قبل اتخاذ أي قرار، كما يسمح لها هذا باختيار القضايا والظروف التي تناسبها، وفي هذه البيئة فإن التدخل العسكري في ليبيا لا يفرض نفس الشيء في حالة سوريا .

ويتبقى أن نرى مدى استفادة الولايات المتحدة من هذه الفرص، والحق أن المزايا التي تتمتع بها الولايات المتحدة على الأمد القريب تشكل العقبة الأكبر أمام مستقبلها في الأمد البعيد . ولنطلق على هذا “لعنة الملاذ الآمن”: فطالما ظلت الولايات المتحدة الميناء الأكثر أماناً من أي عاصفة، فإنها لن تواجه أية ضغوط مباشرة قد تحملها على معالجة نقاط ضعفها .

على سبيل المثال، على الرغم من كل الكتابات عن الدَّيْن الوطني الأمريكي، فإن المستثمرين سوف يستمرون في إقراض الولايات المتحدة . ولكن على الأمد البعيد يتعين على صناع السياسات في الولايات المتحدة أن يحرزوا تقدماً ثابتاً في استعادة الثقة بصحة البلاد المالية من خلال خفض البرامج المقدسة سياسياً مثل الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية، والدفاع . وسوف يكون لزاماً على المسؤولين أن ينحّوا جانباً الدوافع القصيرة الأمد والعقيدة الحزبية لتعزيز البنية الأساسية المتهالكة في أمريكا، وإصلاح أنظمة التعليم والهجرة، والسعي إلى ضبط الأوضاع المالية على الأمد البعيد .

إن المزايا التي تتمتع بها الولايات المتحدة في عالم “مجموعة الصفر” تمنحها الفرصة للاستثمار في المستقبل، ولكن بالتحوط ضد المخاطر المفجعة، فإن المزايا ذاتها من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بالمماطلة . يتعين على الساسة الأمريكيين أن يدركوا واقع “مجموعة الصفر” الجديد وأن يعملوا على إعادة بناء مصادر القوة المحلية لأمريكا، حتى ولو بشكل تدريجي . وإذا فعلوا هذا فإن الولايات المتحدة سوف تتمتع بالقدر الكافي من القوة والمرونة لصياغة النظام العالمي المقبل .

إن النظام السياسي الأمريكي يعمل بشكل جيد في الأزمات عادة، ولكن بفضل مزاياها المتبقية في عالم بلا زعامة، فإن الولايات المتحدة لن تضطر إلى الاعتماد على الأزمات للتعجيل بالعمل، وما عليها إلا أن تغتنم الفرصة التي تمنحها إياها لحظة “مجموعة الصفر” .

About this publication