The United States and the Second Republic

<--

الولايات المتحدة والجمهورية الثانية

إيهاب وهبة

وصلت إلى القاهرة يوم 14 يوليو الحالى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون فى ثانى زيارة لها لمصر بعد ثورة 25 يناير. كانت الزيارة الأولى فى منتصف شهر مارس من العام الماضى، أى بعد أقل من ثمانية أسابيع على اندلاع الثورة. حينئذ حرصت الوزيرة الأمريكية على زيارة ميدان التحرير لتعلن، والسعادة تغمرها، أنها لا تستطيع أن تصف مشاعرها وهى تتواجد فى المكان الذى تفجرت فيه الثورة بكل ما أحدثته من آثار فى مختلف أنحاء العالم.

•••

طبعا لم يكن ذلك الموقف الأمريكى الذى بارك الثورة، هو نفس موقف الإدارة غداة قيامها. ولعلنا نتذكر أن الوزيرة نفسها أعلنت يوم 25 يناير 2011 أن كل تقديراتهم تشير إلى استقرار الحكم فى مصر.

لم يحفل الثوار فى مصر بما قالته الوزيرة الأمريكية حينئذ، وتابعوا مسيرتهم الظافرة إلى أن اضطر مبارك التخلى عن منصبه يوم 11 فبراير. بعد ذلك بيوم واحد خرج الرئيس أوباما على العالم ليعلن أن الشعب المصرى قد قال كلمته، وأن مصر لن تعود إلى سابق عهدها، مؤكدا أن هناك لحظات قليلة فى حياتنا التى نحظى فيها بمتابعة التاريخ وهو يخُط سطوره. ثم يردد أوباما الشعار الذى تمسك به الثوار حينئذ وهو سلمية.. سلمية. نطقها أوباما بالعربية، لتبقى مصدر إلهام للجميع بعد ذلك.

بعد زيارة كلينتون الأولى لمصر أعلن الرئيس الأمريكى أوباما فى 19 مايو 2011 عن حزمة مساعدات لمصر اقتصادية بعدة بلايين من الدولارات تهدف إلى تشجيع الاستثمارات وتوفير ضمانات لقروض، وإنشاء صندوق للاستثمار، وكذلك مبادلة الديون وتوجيهها لمشروعات التنمية.

•••

أزعم أن الأمور فى مصر الآن غداة زيارة الوزيرة كلينتون الثانية، لم تعد مثلما كانت عليه فى العام الماضى. كان الشعب المصرى بأسره يعيش فى نشوة انتصار ثورته، وكان كله مفعم بالأمل ومتمسك بالتفاؤل. كانت هناك خلافات فى الرؤى ولكن الحوار كان يدور بأسلوب حضارى حريص على المصلحة العامة ومتمسك بالأسس والقواعد. حتى عندما شبت الخلافات بين مؤيد ومعارض على مواد الدستور التى كان يجرى الاستفتاء عليها بعد أيام قليلة من زيارة الوزيرة الأمريكية تقبل الجميع نتائج الاستفتاء بنفوس راضية. ومضى العرس الديمقراطى قُدمًا محاطا بتقدير الجماهير على اختلاف مشاربها.

الوضع الآن، مع كل الأسف، مختلف تماما. لم يعد ميدان التحرير ذلك الذى ألفناه فى الأشهر الأولى من الثورة، ليس ذلك فقط بسبب مظاهر الفوضى التى تحيط به من كل جانب، إنما بسبب الصيحات والهتافات الصادمة التى تصم الآذان، والتى تلتقطها بعض الفضائيات التى لا تريد خيرا لمصر إنما تريد إشعال الحرائق هنا وهناك. هل كان يعقل أن يتطاول أحد على قضائنا الشامخ، أو على أحكام المحاكم، أو على النحر فى الأسس التى تقوم عليها الدولة. كنت أتمنى ألا أشهد فى حياتى يوما يجاهر البعض فيه الخروج على القانون. أعجب أن أحدا من أولى الأمر لم يقف ليعلن أمام هؤلاء بأن ما ينادون به هو خطأ بيّن وجريمة كبرى فى حق الوطن.

•••

لم تكن مشكلة المجتمع المدنى التى تفجرت بين البلدين فى آخر ديسمبر من العام الماضى، هى أكثر ما يقلق المراقبين والمتابعين لزيارة وزيرة الخارجية الأمريكية لمصر، إنما ما اعتبره هؤلاء ثلاث مشكلات أساسية تعترض طريق العلاقات الأمريكية المصرية فى المرحلة المقبلة. أولى تلك المشكلات تتعلق بأزمة الديمقراطية فى مصر، حيث تتصارع قوتان على المسرح هما القوات المسلحة والإخوان المسلمون، وكلاهما فى نظر هؤلاء المراقبين لا يمكن وصفهما بأنهما من أنصار الديمقراطية. لذلك تجد الولايات المتحدة فى وضع لا تحسد عليه، حيث تحرص على الحفاظ على علاقات جيدة بالطرفين فى آن واحد. والمشكلة الثانية تتعلق بإسرائيل، حيث يتنامى دور الإرادة الشعبية المصرية فى توجيه مسار العلاقات مع إسرائيل. وكلما زادت المشاعر المعادية لإسرائيل داخل الشارع المصرى، كلما تآكل التأييد الذى تحظى به مصر داخل الكونجرس الأمريكى، المعروف بتعاطفه الكبير مع إسرائيل. أما المشكلة الثالثة تتعلق بتعاظم المشاعر المعادية لأمريكا فى مصر، كما تشير ذلك استطلاعات الرأى الأخيرة. وسيكون من الصعب والحالة هذه ضمان استمرار حرص المسئولين الأمريكيين على تقديم المساعدة لدولة تناصب أمريكا العداء.

ومن الواضح الآن أن بعض تنبؤات هؤلاء المحللين قد تحققت وبشكل فورى، حيث قوبلت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية الأخيرة لمصر باحتجاجات وتظاهرات، كما قاطعتها قيادات قبطية. جاءت هذه المظاهر على خلفية التعاون الأمريكى القوى مع النظام السابق، وما يلمسه البعض الآن من انحياز أمريكى للتيار الإسلامى على حساب قوى المجتمع الأخرى، وكذلك الاعتراض على التدخل الأمريكى فى الشأن الداخلى المصرى.

لست على يقين تام من صحة كل الاتهامات التى اتخذت ذريعة للهجوم على زيارة الوزيرة، خاصة القول بوجود انحياز أمريكى نحو التيار الإسلامى، إذ ليس للولايات المتحدة سابق خبرة فى التعامل مع هذا التيار، على الأقل فيما يتعلق بالشأن المصرى، وبالتالى فان تجربتها معه محدودة للغاية ولا تستطيع أن تركن إليها كلية.

ــ على أى حال حرصت الوزيرة الأمريكية على توجيه عدد من الرسائل إلى المسئولين والرأى العام المصرى مثل:

ــ الشعب المصرى هو الوحيد القادر على التوصل إلى حلول لجميع القضايا المطروحة حاليا على الساحة بما فى ذلك ضرورة وجود برلمان تمثل فيه جميع أطياف المجتمع، ودستور يحمى حقوق المصريين بما فى ذلك حقوق الأقليات وحقوق المرأة.

ـ ليس هناك أى نية لدى الولايات المتحدة للتدخل فى الشأن الداخلى المصرى.

ـ تؤيد الولايات المتحدة عملية التحول الديمقراطى فى مصر وعودة الجيش إلى ممارسة دوره الأصيل فى حماية الأمن القومى للبلاد دون غيره من المهام.

ـ هناك حزمة من المساعدات الاقتصادية ستقدمها الولايات المتحدة لمصر فى الفترة المقبلة فى ضوء ما سبق أن أعلنه الرئيس أوباما فى هذا لشأن.

ـ أطلعت الوزيرة على مواقف إيجابية للغاية من الرئيس المصرى فيما يتعلق باحترام معاهدة السلام، وكذلك الحرص على أن تظل مصر بمثابة حجر الزاوية فى صرح السلام والأمن الإقليميين.

ـ وفيما يتعلق بالوضع فى سيناء، وهو اختصاص أصيل لمصر، فإن الولايات المتحدة مع ذلك على استعداد لتقديم كل أنواع المساعدة فى هذا الشأن سواء تعلق الأمر بالموارد أو بالمعدات أو الإمكانيات الفنية.

•••

إذن اطلع الجانب المصرى من خلال زيارة الوزيرة الأمريكية على المواقف الأمريكية بالنسبة لمختلف القضايا، كما استمع الجانب الأمريكى إلى وجهة النظر المصرى سواء على الصعيد الرسمى أو الشعبى. ولذلك فإن الزيارة، بالرغم من كل ما أثير حولها، قد وفرت الفرصة للجانبين للتعرف عن قرب على بعضهما البعض، مصر وهى تشق طريق جمهوريتها الثانية، والولايات المتحدة وهى على أعتاب ولاية ثانية للرئيس أوباما كما تشير إلى ذلك أغلب التقديرات.

About this publication