America and the Arab Spring

<--

أميركا والربيع العربي * رشيد حسن

مثقفون ومتابعون يعتقدون أن الربيع العربي، هو عملية أميركية ، تهدف بالدرجة الاولى الى اعادة تقسيم العالم العربي على غرار سايكس بيكو ، من خلال الفوضى الخلاقة ، التي بشرت بها كوندا ليزا رايس وزير خارجية اميركا السابقة، ويستدلون على ذلك بالدور الاميركي في ليبيا وسوريا واليمن ، ورغم أهمية هذا الطرح فانه اولا: يتجاهل دور الشعوب العربية وارادتها وقدرتها على تفجير الثورات ، بعد أن وصلت الاوضاع مرحلة الانفجار، والاطاحة بانظمة القمع والاستبداد والفساد والتوريث .

ثانيا: ان هذا الطرح يبدو مسكونا بنظرية المؤامرة، التي تطغى على تحليل كثير من المفكرين والمثقفين، معتبرين أن واشنطن قدرا لا مفر منه، رغم أن الاحداث والوقائع في العقدين الأخيرين، أكدت تراجع دورها، بعد ما هزمت في افغانستان والعراق هزيمة منكرة، اسهمت في حدوث كارثة “وول ستريت”المالية والاقتصادية، والتي وصلت تداعياتها الى كافة دول العالم.

ولوضع النقاط على الحروف، لا بد من التأكيد أن موجة الديمقراطية هذه التي ضربت العالم العربي، هي امتداد لثلاث موجات ضربت العالم.. بدأت باوروبا الغربية” اليونان والبرتغال واسبانيا”، والثانية بدول اوروبا الشرقية ، بعد سقوط حائط برلين 1989،والثالثة ضربت دول اميركا الجنوبية ، فهي بهذا المفهوم حركة تاريخية ، لن تتوقف ، وستأخذ مداها، وتشمل الدول العربية كافة ، لانه تمثل ارادة الشعوب، وحتمية التغيير.

ومن ناحية أخرى فلقد أكدت أحداث ووقائع ثورتي تونس ومصر، أن واشنطن فوجئت بالثورتين، وبسرعة الاطاحة بمبارك وابن علي ، أهم حليفين لها في المنطقة، بدليل حالة الارباك التي بدت في موقفها السياسي، وتجلت بتصريحات مسؤوليها، الذين اشادوا بمبارك ،ونهجه وقدرته على الاستمرار، قبل الزلزال باسبوع، ومن هنا حاولت بكل الوسائل مستعينة بفلول النظام، والدول العربية الغنية المتضررة من الربيع العربي، ضرب الثورتين بوسائل عدة، من خلال اقامة منظمات أهلية تعمل على اشعال نيران الفتنة الطائفية، وعدم الاستقرار، وتبني مرشح الفلول”شفيق”، والاخطر الايعاز للدول النفطية بسحب استثماراتها، والعزوف عن تقديم المساعدات المالية للثورتين لتتجاوزا الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرا بها، وهذا يؤكد ان الثورتين ليستا صنيعة واشنطن ، بل هما ثورتان وطنيتان، فجرهما الشعبان الشقيقان بعبقرية لا مثيل لها ، حينما اصرا على سلمية الثورتين ، وتمسكا بخيار الديمقراطية والانتخابات النزيهة وتداول السلطة احتكاما لصنديق الاقتراع، لاقامة الدول المدنية الحديثة ، وهذا ما تحقق بافضل صورة، حيث شهد التاريخ العربي ولاول مرة انتخهابات نزيهة ، وشهد فوز رئيسين “ المرزوقي ومرسي” سجنا في عهد ابن علي ومبارك.

هذه الحقائق والوقائع هي التي دفعت واشنطن على الاغلب العمل على ركوب موجة الثورات الاخرى بعد ان فوجئت بثورتي تونس ومصر، وهو ما يفرض التمييز بين حقيقتين ، حتى لا يقع الخلط في اذهان كثيرين وهما:

الاولى: إنا نقف وبقوة مع كافة الثورات العربية، وحق الشعوب العربية في الحرية والكرامة والديمقراطية وتداول السلطة لاقامة الدولة المدنية الحديثة.

الثانية:اننا ضد التدخل الخارجي بكافة اشكاله والوانه، وخاصة التدخل الاميركي، فواشنطن التي تقف مع العدو الصهيوني ، وترفض الاعتراف بالحقوق الشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه، ليست حريصة على حقوق الانسان العربي ، بل بالحفاظ على مصالحها في المنطقة.

باختصار ….الربيع العربي نبت عربي بامتياز، والتدخل الاميركي والغربي هو بمثابة الرياح الصفراء، لتحويل الربيع الى خريف.

About this publication