20/08/2012 02:08:28 PM
نتنياهو وأوباما
كان وما يزال التنسيق العسكري والسياسي الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة أعمق وأبعد مما يظهر في وسائل الإعلام. ولم يكن هذا التنسيق ببعده الاستراتيجي، في أي يوم، مرتبطا بشخصيات منتخبة في كلا الجانبين، بل تحكمه المصالح العليا التي تتولى مسؤوليتها أجهزة التخطيط العليا، السياسية والأمنية. إلا أن الجدل الحاد الذي يفتعله بنيامين نتنياهو مع إدارة باراك أوباما فيما يتعلق باحتمالات شن عدوان على إيران، يهدف بدرجة كبيرة إلى دس أنف اليمين الاسرائيلي المتشدد، وقائده نتنياهو، في الانتخابات الأميركية في الخريف المقبل.ففي الأيام الأخيرة، شهدنا تصعيدا للتصريحات الإسرائيلية الرسمية بشأن ما يظهر وكأنه خلاف بين الجانبين بشأن إيران، ليصل الأمر درجة طرح حكومة نتنياهو مطالب لتنفذها إدارة أوباما “بشكل يقنع إسرائيل بعدم شن عدوان كهذا”. وفي اللهجة التي نشرتها وسائل الإعلام الاسرائيلية، تشعر بنبرة استعلائية عنجهية، وحتى صدامية كلامية إلى حد ما. ولم تتأخر التصريحات المقابلة من خلف المحيط، وهي أيضا بدأت تكون أكثر وضوحا في إطار المعارضة الأميركية الرسمية لضربة اسرائيلية قريبة لإيران، منها معارضة سياسية وأخرى عسكرية على أعلى المستويات.بغض النظر عن درجة واقعية احتمالات شن العدوان، إلا أن تصعيد اللهجة الإسرائيلية تجاه إدارة أوباما في هذه المرحلة بالذات، يهدف أساسا إلى دس أنف اليمين الإسرائيلي المتشدد ومجموعات الضغط الصهيونية وغير الصهيونية المساندة لهذا اليمين في الولايات المتحدة الأميركية في الانتخابات المقبلة، خاصة إذا التفتنا إلى أنه بموازاة ما يظهر من خلاف مع إدارة أوباما بشأن توقيت العدوان وجدواه، فإن اليمين بزعامة نتنياهو اهتم في الأسابيع الأخيرة بإظهار حالة توافق بينه وبين مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية ميت رومني، وهو ما ظهر على السطح في إسرائيل خلال زيارة رومني إليها مؤخرا.وعلى الرغم من أن نسبة الأميركيين من أبناء الديانة اليهودية من مجمل أصحاب حق الاقتراع هي 2 %، إلا أنهم يضاعفون هذه النسبة على صعيد التصويت الفعلي، بسبب إقبالهم الواسع على صناديق الاقتراع خلافا لباقي شرائح الجمهور. وقد دَرَجَ المرشحون الأميركيون على الأخذ بعين الاعتبار أصوات اليهود، ليس بسبب قوتهم الانتخابية، وإنما بسبب الدعم المالي الضخم، وأيضا لأن هناك جمهورا واسعا من غير اليهود، من المجموعات “الدينية المسيحية المتشددة”، التي تدعمهم.ولكن موقف اليمين الإسرائيلي المتشدد ما يزال يعارض موقف السواد الأعظم من الأميركيين اليهود. فرغم حملة مناصرة رومني المدعومة من أصدقاء نتنياهو الأثرياء، إلا أنه ما يزال 67 % من أصوات اليهود مرشحة لتأييد أوباما. وهذا يؤكد حالة تاريخية تقلق بشكل دائم اليمين الإسرائيلي، الذي هو على قناعة دائمة بأن مصالح إسرائيل والحركة الصهيونية مضمونة أكثر لدى الحزب الجمهوري، على الرغم مما نراه نحن من عدم فوارق جوهرية بين الحزبين في ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، وقضية فلسطين.وقد تعززت مواقف اليمين الإسرائيلي بشأن جدوى دعم الحزب الجمهوري في العقدين الأخيرين، خاصة بعد انتهاء ما يسمى بـ”الحرب الباردة”، وبدء الحديث قبل عشرين سنة عن أن هذا الحال الإقليمي يقلل من قيمة إسرائيل الاستراتيجية للمصالح الأميركية العليا في الشرق الأوسط، وهو حديث تبدد بشكل شبه كلي مع مر السنين، وفي هذه المرحلة بالذات.ولكن اليمين الإسرائيلي يتخوف من أن ما بدا قبل عشرين عاما، قد يتكرر لاحقا ويكون أكثر واقعية، ولهذا فإنه لا يريد أن يراهن، ويعتقد أن غالبية أصحاب “كارتيلات” النفط الأميركية داعمة للحزب الجمهوري. ولهذا، ووفق مفهوم اليمين الإسرائيلي المتشدد، فإن رؤية الحزب الجمهوري للشرق الأوسط و”أهمية اسرائيل” مضمونة أكثر مما هي مع الحزب الديمقراطي بالنسبة لمستقبل إسرائيل.على الرغم من أن لعبة نتنياهو ومعسكر اليمين تجاه الانتخابات الأميركية باتت مكشوفة أكثر من أي وقت مضى، إلا أنه من المستبعد أن يؤدي هذا إلى تغيرات ملموسة وجذرية في توجهات الإدارة الاميركية نحو حكومة نتنياهو وإسرائيل عامة، في حال أعيد انتخاب أوباما لولاية ثانية، لأنه كما ذكر بداية، فإن المصالح العليا أكبر من أن تحكمها قناعات منتخبي جمهور في الجانبين.barhoum.jaraisi@alghad.jo
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.