Edited by Adam Talkington
سوريا بين كلينتون وبانيتا * عريب الرنتاوي
كلينتون بحثت في أنقرة إقامة “منطقة حظر طيران” شمال سوريا، وأنشأت لهذا الغرض “مجموعة عمل” من الأمريكيين والأتراك المتحمسين للتدخل والحسم..لكن “بانيتا” يرى أن الأمر أكثر تعقيداً ويحتاج إلى “قرار سياسي كبير”، لم تنضج شروطه بعد، وأن المسألة برمتها ليست مطروحة الآن على جدول أعمال الإدارة الأمريكية الغارقة في “ربع الساعة الأخير” للانتخابات الرئاسية.
من نصدق إذن، ومَنْ مِن الوزيرين الأمريكيين يعكس “واقع الحال” في واشنطن، كلينتون أم بانيتا، أم أن كلا المسؤولين الرفيعين، يعكسان جانباً واحداً لصورة الموقف في واشنطن، وأن الصورة كاملة لا تُرى وتُقرأ بدقة وصوابية، إن لم نأخذ “التقديرين/ الموقفين” معاً؟
في ظني أننا لسنا مشهدا من مشاهد الصراع الداخلي المألوفة في الإدارات الأمريكية المتعاقبة…نحن أمام سياسة أمريكية “مُتحركة” حيال سوريا، تناول كل وزير واحدةً من مراحلها المتدرجة والمتحرجة…كلينتون قالت بـ”منطقة حظر الطيران”، وهناك من يقول إنه ليس المقصود بذلك، قيام سلاح الجو وحاملات الطائرات الأمريكية بالانقضاض على الطيران الحربي والدفاعات الجوية السورية…المسألة يمكن تحقيقها بـ”الواسطة”، ومن خلال تسليح الجيش السوري الحر بصواريخ “ستينغر” التي أثبتت فاعلية في إلحاق الهزيمة بالجيش الأحمر السوفييتي في أفغانستان، وأسقطت ما يزيد على 270 طائرة من طائراته…وهنا تقول الصحافة اللبنانية إن النيّة لدى أنقرة وواشنطن انعقدت بعد زيارة كلينتون، لتزويد المقاتلين السوريين المعارضين بهذه الصواريخ، شريطة أن تظل تحت إشراف الجيش التركي وفي أيدي ضباطه وجنوده الذين سيكون بالإمكان نشرهم من دون ضجيج ولا “إعلان” في مناطق شمال سوريا.
بنيتا لم يقل ما يخالف هذا التصور، رغم قوله إن قرار فرض “منطقة حظر الطيران” لم ينضج بعد…هنا يمكن أخذ تصريحات وزير الدفاع الأمريكي على النحو التالي: بعد الانتخابات الأمريكية، المرجح أن يُعاد بنتيجتها انتخاب باراك أوباما رئيساً لولاية، ستكون “المسألة السورية” أولى المسائل التي يتعين على واشنطن حسمها، حينها سيصبح بالإمكان فرض مناطق حظر طيران وممرات إنسانية وملاذات آمنة، بالقوة الأمريكية/الأطلسية/ الإقليمية (التركية خصوصاً)….وعندها يمكن توجيه ضربات منتقاة لأهداف استراتيجية سورية، من بينها مخابئ الأسد وقصوره الرئاسية ومراكز التحكم والسيطرة في الجيش وقطاعاته الرئيسة، سيما وأن جهود التجهيز والتدريب والتسليح و”الغربلة” للجيش السوري الحر، ستكون قد قطعت شوطاً كبيراً، وستناط بهذا الجيش، مع من سيتبقى من الجيش السوري مهمة حفظ أمن سوريا ما بعد الأسد.
التباين بين كلينتون وبانيتا، ربما ينحصر في هذه المساحة بالذات، لا أكثر ولا أقل…فواشنطن غادرت منذ زمن، مربع “الحل السياسي” للأزمة السورية، وهي تعتبر الإطاحة بالأسد، مبتدأ جملتها السورية، أما الخبر فيأتي لاحقاً، وتبعاً لظروف الأزمة السورية ومستجداتها… وفي هذا السياق تحديداً ينحصر اهتمام واشنطن في البحث عن بدائل وقيادات جديدة وفاعلين أكثر حضوراً على ساحة العمل الميداني في سوريا.
وفي هذا السياق أيضاً، لاحظنا تبدلاً في الأولويات الأمريكية فيما خص المعارضات السورية…المجلس الوطني السوري، لم يعد ذاك الطرف الذي يستهوي واشنطن، لسببين اثنين: الأول، أنه خاضع لسيطرة الإخوان المسلمين، وواشنطن لا تريد أن تضع بيضها كله في سلة “الإسلام السياسي”، والثاني، أن ليبراليي هذا المجلس وعلمانييه، ليسوا في أحسن أحوالهم أفضل حالاً من أحمد الجلبي (الزعيم الذي صار أكذوبة أو أضحوكة).
وتتردد معلومات عن قرار أمريكي باقتحام عوالم المعارضة السورية في الداخل، وهنا يلعب “الجيش السوري الحر” دور بؤرة الجذب للاهتمام الأمريكي، كما يلعب المنشقون الكبار (طلاس، حجاب) دوراً مماثلاً في لعبة البحث عن بديل لإدارة المرحلة الانتقالية في سوريا…لقد خبا بريق المجلس الوطني ومعارضات الخارج، وانتقل الاهتمام الإقليمي والدولي بالفاعلين على الأرض، وهؤلاء ليس من بينهم كل (أو معظم) معارضات الخارج على اختلاف أسمائها وتسمياتها.
إن صحت هذه القراءة، المستندة إلى بعض المعلومات والمعطيات، فإن واشنطن سائرة على هذا الطريق، الذي تحدثت كلينتون عن بداياته وتوقف بانيتا عند مآلاته…لكن ذلك لا يعني أن هذا السيناريو هو قدر سوريا الذي لا رادّ له…فالنظام السوري وحلفاؤه، ما زالت جعبهم حافلة بالأوراق التي يمكن التلويح بها ووضعها على الطاولة عند الضرورة…ولقد كشفت صحف لبنان أيضاً عن “معادلة سام مقابل ستينغر”، أي قيام النظام السوري بتسليح حزب العمال الكردستاني بصوارخ سام المطوّرة، ما يعني نقل المعركة إلى قلب تركيا، وقلب معادلة القوى بين الدولة التركية والمتمردين عليها من الأكراد…والنظام السوري، ما زال يظهر صموداً غير متوقع برغم اشتداد الضغوط وأطواق العزلة عليه…والجيش السوري لم يظهر ما يكفي من إمارات التمرد والتشقق والإنهاك، فهو يقاتل بضرواة في حلب ودمشق وحمص، هكذا تبدو الصورة على الأقل، بعد تراجع الحديث عن “أم المعارك”.
وحلفاء سوريا لم يرفعوا الرايات البيضاء بدورهم…إيران كما تقول المصادر، وكما يقول بانيتا، تسعى في إنشاء “جيش المهدي 2” في سوريا، ولا أدري ما الذي يمنع حزب الله اللبناني من إنشاء نظيره السوري…وروسيا تخوض حرب الغاز والمياه الدافئة ومعارك الدفاع عن القوقاز من سوريا وعلى أرضها…والصين تريد أن يعترف بها قوة عظمى سياسياً أيضاً، وليس بالاستناد فقط إلى سندات الدين الأمريكي العام وأرقام وول ستريت جورنال…لكأن المعركة على سوريا باتت تختصر صراعات العالم وموازين القوى القائمة فيه، بعد أن أصبحت المحك الأقسى لنظام القطب الواحد، والمخاض الأصعب لنظام دولي جديد.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.