The American Predicament and Syrian Obstinacy

<--

المأزق الأميركي والتصلّب السوري

عصام عبد الله

على رغم التصريحات التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في تركيا وتعهّدت فيها بتسريع نهاية نظام الأسد والحدّ من إراقة الدماء في سوريا، فإنّ المراقبين لاحظوا أنّ الوفد الأميركي الذي رأسته كلينتون لم يضمّ شخصيات كبيرة من القيادات العسكرية التي تستطيع أن تناقش وتحاور في “الخطط العملية” لمرحلة نهاية الأسد، وبالتالي مرحلة ما بعد الأسد

ويسود الاعتقاد، وفق المعلومات والتحليل، أنّ الموقف الأميركي لم يخرج بعد من دائرة متابعة واحتواء الموقف في سوريا، ولم يصل بعد إلى مرحلة قرار التدخّل واختيار خطوات هذا التدخل.

ومن المهم جداً إلقاء نظرة على واقع الأمور على الساحة السورية وأسلوب التعاطي معها من وجهة النظر الغربية.

فالمندوب الفرنسي في الأمم المتحدة أعلن صراحة أنّ مجلس الأمن سيعين في بداية الأسبوع الحالي، مندوباً جديداً يخلف كوفي أنان في مهمته، ويجزم البعض بأنّه سيكون الدبلوماسي العريق الأخضر الابراهيمي.

وبغضّ النظر عن قدرة الابراهيمي وفهمه لواقع السياسة في الشرق الأوسط، إلّا أنّه أرسل رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي قال فيها إنّه يتعيّن على هذا المجتمع التوصّل إلى موقف موحد بشأن الأزمة السورية، وبالتالي فإنّ هذا الموقف يسهّل له الطريق ويفتح أمامه حرية التحرك. فإذا لم يتمّ التوافق على إجماع حول آلية البنود الستّة التي ستبقى هي عنوان التحرّك، فعبثاً يحاول الابراهيمي أو غيره.

وطالما أنّ روسيا والصين ملتزمتان الوقوف إلى جانب سورية، فإنّ الابراهيمي سيجد الطريق سريعاً للّحاق بمَن سبقه.

كما أنّ موافقة مجلس الأمن الدولي على قرار تعيين الابراهيمي بغضّ النظر عن آلية التحرّك له، ستعني أنّ الولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي يريدان كسب مزيد من الوقت وليس نجاح الابراهيمي.

لقد خبر اللبنانيون تجربتين في مسار السياسات الأميركية والمعالجات، أولى مع فيليب حبيب، عندما قاد المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية بوساطة لبنانية وأخرى فرنسية، على أصوات القذائف والمدافع والطائرات الإسرائيلية. أي أنّه كان يجري المفاوضات والحديد حام.

والمرّة الثانية عندما تنقّل الابراهيمي بين اللبنانيين ممهداً لاتّفاق الطائف عام 1989، على وقع المدفعية السورية وحرب الإلغاء.

أمّا في سورية، فإنّ المعارضة العسكرية غير قادرة على فرض حالة ضغط على النظام السوري، بل العكس هو الحاصل، فإنّ اليد العليا هي للجيش السوري الذي ما زال متماسكاً ولديه من القوة ما يستطيع من خلالها الاستمرار في إدارة العمليات.

وعلى الرغم من كلّ النتائج القاسية على صعيد الخراب والتدمير فإنّ قوات المعارضة لم تتمكّن من إيجاد مساحة جغرافية تسمح لها بتنظيم صفوفها والإعداد لمواصلة العمليات العسكرية في اتّجاه العاصمة دمشق، على النحو الذي جرى في بنغازي.

وما جرى في بنغازي ما كان له لينجح لولا فرض منطقة الحظر الجوي، وهو غير متاح في الحالة السورية حاضراً ولا في المدى المنظور.

ويقول خبراء عسكريون غربيون إنّ إقامة منطقة حظر جوي تتطلّب إيجاد مساحة جغرافية لحمايتها، ووفق الرؤى العسكرية فإنّ محافظة إدلب هي المثال النموذجي باعتبارها قريبة من الحدود من تركيا وعلى أكتاف العاصمة الاقتصادية حلب.

أمّا الحظر الجوي على سوريا بأكملها فإنّه خارج إطار الحسابات العسكرية لاعتبارات عدة، في مقدّمها تركيبة الجيش السوري.

فهو جيش بكامل عدّته وعتاده، وهو يملك ستّين طائرة ميغ 29 قتالية، غير طائرات التدريب من نفس الطراز التي يصل عددها إلى ثلاثين طائرة.

كما أنّ الجيش السوري، بفعل وجوده على خط المواجهة مع إسرائيل فإنّه يملك شبكة صواريخ متطوّرة بالإضافة إلى شبكة حديثة من المدفعية الروسية.

صحيح أنّ الغرب يمتلك احدث وسائل القتال العسكرية التكنولوجية وكثافة نيران لا قبل لسورية بها، لكن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تعاني ظروفاً اقتصادية صعبة، فضلاً عن الانتخابات الرئاسية الأميركية التي بدأت تتّسم بالحدة ولا ترغب الإدارة الأميركية الحالية في تحويل الأنظار أو الاهتمام عنها.

وبالتالي، فإنّ ظروف تدخّل عسكري فعّال أميركي أو من الناتو، على غرار ما جرى في ليبيا، تبدو مستبعدة في الظرف الراهن.

كما أنّ سوريا ما زالت تشكّل رأس حربة في المحور الإيراني الروسي الصيني، وهذا المحور أعلن أنّه لن يدع الشأن السوري ينحدر إلى ما وصل إليه الملف الليبي.

وعليه، فإنّ الخيارات أمام الغرب ستكون محدودة ما خلا التالي:

– إغلاق الحدود بين سوريا وكل من تركيا والأردن ولبنان والعراق

– إقامة حصار مائي بحجة تطبيق العقوبات وعدم السماح بإيصال مساعدات إلى النظام

– توسيع إطار الاتصالات مع القيادات العسكرية بما يسمح لها بحرية الحركة والتحرّك وصولاً إلى الانشقاق. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة تريد تغيير الأسد لكنّها لا تريد إسقاط كل النظام، وعليه فهي تفضّل السماح بانقلاب عسكري أو انشقاق وحدات عسكرية بأكملها، لكنّها لغاية الآن لم تعط ضمانات للقيادات العسكرية أنّها ستتعامل معها إذا أنجزت انقلاباً، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى القيادات العسكرية التي تقيم وزناً لكل المواقف الدولية قبل الإقدام على خطوة في الفراغ أو الذهاب إلى المجهول.

About this publication