America Is Failing

<--

ربيع العرب، حصاد الغضب، كم دمَّر أو عمَّر.. كم سلب أرواحا وأمنا كم نهب؟!

أنا ؛ ومتوجسون كثر، يتساءلون عن مآلات الربيع العربي بأسئلة شبيهة، مشتقة من عدم ارتياح لما يجري، لكن من هي الجهة الفعلية الأكثر تضررا من نتائج الربيع العربي حتى الآن؟.

للثورة على الظلم والاستعباد والاستبداد فوائد، لا شك، وذلك على الرغم من حجم الخراب والموت الذي اجتاح البلدان التي تفجر فيها الربيع دما وقهرا وتشريدا وطائفية، لكن أهم النتائج هي التي تقلل من دور القوى العظمى المستعمرة للمنطقة منذ عقود، وتدفعها لتغيير شكل سياساتها بما ينسجم مع الحقائق الجديدة.

الحقيقة السياسية الكبيرة التي ما زال المشتغلون بالسياسة والفكر يتجنبون الحديث عنها، هي القطبية الجديدة التي أفرزها الربيع العربي، والمتمثلة بنجاح الاسلام السياسي في السيطرة على كل البلدان التي أمطرها وابل الربيع فاهتزت وربت وانتخبت إسلاميين، وذروة الاستقطاب تقع في مصر ومنها، لأن نجاح الاسلاميين عموما في الانتخابات التشريعية المصرية ثم نجاح مرسي في تولي رئاسة الجمهورية العربية الأكبر، نجاحان، سيعززان مفهوم القطبية، ويتيحان للقوى السياسية العربية، ومن كل الأطياف أن تفتح قنوات مع جمهورية مصر العربية، وتجد فيها البديل الموضوعي لمناهضة السياسة الأمريكية والغربية الاستعمارية، والتي تدور في فلك عدو العرب الأول «اسرائيل»..

ثقافة التعاون مع أمريكا والغرب وفي ظل حقيقة عالم القطب الأوحد، كانت على أشدها في السنوات التي تلت اختفاء الاتحاد السوفيتي، فكل التنويريين والمناضلين والداعين للحرية والديمقراطية يتعاملون بشكل او بآخر مع منظمات رسمية وشبه رسمية غربية، حيث نجد منظمات أمريكية وغيرها ذات أجندات عالمية، وفي كل المجالات «اجتماعية وسياسية واقتصادية» تطبق برامج طويلة الأمد، وتتغلغل في حيوات المنطقة العربية.

الآن، وبعد سيطرة قوى سياسية اسلامية على مقاليد الحكم، في كل البلدان التي شهدت ربيعا عربيا وانتخابات نزيهة سيكون طبيعيا أن تتوجه قوى التحرر الى مصر، وتجسر لمنظومة جديدة من القيم السياسية والتنويرية الثورية ضد المستعمر، الذي كان له الدور الأكبر في غياب العدل والأمن، وما زال يخطط بل وينفذ برامج سياسية لمزيد من فوضى وانفلات وتفتيت للنسيج العربي، لضمان التفوق الاسرائيلي، ولحماية المصالح الغربية..

الدور الأمريكي والغربي عموما سينحسر بلا شك، وسنشهد تغيرا في السياسات الغربية في المنطقة، ولا يمكننا أن نتجاهل حجم التحدي الذي فرضه الربيع العربي على أمريكا وحلفائها، بعد النتائج الأولية للثورات العربية وللانتخابات النزيهة في العالم العربي، ونحن بلا شك امام احتمالات لتدخل غربي جديد في المنطقة، قد يكون بسيناريوهات عسكرية ، أو بمزيد من التحشيد والتحالفات الباهظة، التي تسعى لعزل الاسلاميين وتفويت فرص التوحد العربي ضد الظلم والطغيان العالميين..

لن نلبث طويلا لنرى قوى سياسية واجتماعية واقتصادية عربية تتحالف من جديد، وتلتف حول مصر وقيادتها الجديدة، ولا يمكننا تجاهل نشوء هذا القطب الجديد، او تجاهل أهم ميزاته، وهي أنه قطب بعيد جدا عن سياسة أمريكا واسرائيل وأوروبا..

About this publication