Impressions of a Visitor to the United States

<--

انطباعات زائر لأمريكا (1-2)

2012-8-29

د. سمير قطامي

مرّت ست وعشرون سنة بين زيارتي الأولى لأمريكا ( ولاية كاليفورنيا ) ، وهذه الزيارة، وقد عرض عليّ نسيبي آنذاك أن يقدّم لي طلبا للحصول على الجنسية، فرفضت ، أما هذه المرة فقد تمنيت أن يكون قد فعلها ، بعد ما رأيت من هجرة قسرية للعراقيين والسوريين واللبنانيين ،لأن منطقتنا وبلادنا العربية تمرّ بأحوال مخيفة مقلقة ، لا يستطيع فيها الإنسان أن يكون مطمئنا على مستقبل أبنائه.

لقد حاولت أن استكشف هذا المجتمع وهذا البلد الذي صهر كل أبناء المعمورة، ومن كل الأجناس والألوان والأديان والمذاهب والحضارات ، جاعلا منهم مجتمعا منضبطا بالقوانين والأنظمة والتقاليد الأمريكية ، لتغدو أمريكا أقوى وأعظم دولة في العالم ، فالكل يعمل وينتج ويمارس حياته ضمن حدود القانون ، ويجني مالا ، ويعيش حياة جيدة ، وإن كان الأمر لا يخلو من المشردين ومدمني المخدرات والكحول الذين جعلوا من أنفسهم عالة على المجتمع ، أو ساقهم تفكيرهم القاصر أو المنحرف، إلى الوقوع في مهاوي الهلاك .. فمن يجدّ ويعمل وينتج ، يحظ بحياة مريحة واستقرار ، ومن يلجأ إلى الطرق الملتوية ، يعاقب بقسوة ويجني على نفسه.

بين زيارتي الأولى سنة 1986 وهذه الزيارة ، لم أجد الكثير من التغيير في نمط الحياة أو سلوك الناس أو قوانين السير ، اللهم إلا في زيادة أعداد السيارات بشكل كبير ، وزيادة الطرق السريعة التي تربط المدن والمناطق ، ووجود أزمات سير على الطرق السريعة في كثير من الأحيان ، وقد لفت نظري أن المواطنين وسائقي السيارات وسائقي الشاحنات الضخمة ، جميعهم يلتزمومن بالقوانين والأنظمة المتعلقة بالسير، من دون وجود دوريات شرطة كثيرة ، لأن القوانين صارمة وفوق الجميع ، فهناك حدود للسرعة على الجميع التقيّد بها ، وهناك مسارب خاصة للسيارات التي تقلّ شخصين أو أكثر ، لا يجرؤ أحد على اقتحامها ، ولا يمكن لسيارة أن تغيّر مسربها عشوائيا ، كما يحدث على طرقنا ، لأن المخالفات عالية جدا، ويمكن أن تصل في بعضها إلى ألفي دولار وسحب رخصة القيادة من دون اعتبار للاسم أو العشيرة أو الوظيفة .. وهناك منع تام لاستخدام الخلوي أثناء القيادة تصل مخالفتها إلى 400 دولار ، لذلك لم أر خلال شهر إلا خمسة أشخاص يتحدثون بالخلوي أثناء القيادة ، كما لم أسمع خلال إقامتي صوت زامور سيارة إلا ثلاث مرات ، رغم مرور ملايين السيارات يوميا ..

لست في صدد تسويق أمريكا ، فالسياسة الأمريكية بشكل عام منحازة لإسرائيل ، وتقف دائما ضد القضايا العربية ، وقضية فلسطين ، ولكن ما يعجبك في هذا البلد أنه من أكثر دول العالم اهتماما بكبار السن والمعاقين ، ورعاية لهم ، وقد التقيت بعض الأقارب المسنين والمرضى فحدثوني بكل امتنان وتقدير عما يلاقونه من رعاية صحية واجتماعية ، وقد أخبرني أحد أقاربي أنه أجرى عملية في القلب تكلفت نصف مليون دولار ، لم يدفع منها دولارا واحدا !!

لقد أحسست كم هي مريحة الحياة في أمريكا للكبار ، وخاصة في الضواحي المحيطة بالمدن الكبيرة ، فالخدمات كلها متوافرة، والمولات والمطاعم والمتنزّهات موجودة ، والشوارع والأرصفة منظمة بشكل جيد للسيارات وراكبي الدراجات والمشاة، ولكل مسربه الخاص ، وسائقو السيارات لا يمكن أن يتحركوا طالما أن هناك شخصا يعبر الشارع ، وعلى كل سيارة أن تتوقف تماما عند مفارق الطرق وعند إشارة قف ، وتكون الأولوية في التحرّك للسيارة التي وقفت أولا ، أما الجزيرة الوسطية فيبلغ عرضها حوالي عشرة أمتار ، منها متران معبّدة لهواة المشي والجري ، وبقية المساحة حشيش أخضر وأشجار تسقى برشاشات في الأرض تضخّ الماء أوتوماتيكيا بتوقيت دوري ليل نهار ، ويحافظ عليها نظيفة خضراء ، وهناك يافطات توجب على أصحاب الكلاب ( وهم كثر ) ، أن يزيلوا مخلفات كلابهم عن الأرض ، ولذلك تجد كل صاحب أو صاحبة كلب ، تحمل معها كيسا وقفازا لإزالة مخلفات كلبها ، والمحافظة على نظافة الحدائق والممرات ، ولولا ذلك لتحوّلت الحدائق والممرات إلى مكاره صحية ، خاصة أن أعداد الكلاب كبيرة جدا ، إذ يكاد لا يخلو بيت منها ، بل هناك أكثر من كلب في البيت الواحد، وأحيانا تجد رجلا أو امراة يقوم بتنزيه ثلاثة أو أربعة كلاب ، وتقدّر تكلفة إطعام هذه الكلاب والعناية بها صحيا ، مليارات الدولارات ، فلها ملابس خاصة للشتاء ، وفرشات للنوم ، ومستشفيات وفنادق خاصة ، وزوايا كبيرة في المتاجر لطعامها وشرابها والعابها ، ولا غرو فللكلاب في امريكا من الحقوق أكثر مما لأبناء العالم الثالث !!

يتبع

qatamisamir@hotmail.com

About this publication