September 11 Did Not Occur

<--

هل بوسع أحد في العالم اليوم أن يقول إن الهجمات على برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك، وعلى مبنى البنتاغون في واشنطن لم تقع؟ هول ما جرى وهول نتائجه يتكفل بالتوضيح، لكن سبق لأحد مفكري ما بعد الحادثة، جان بوريار، أن قال عن حرب الخليج العام 1991 إنها حرب لم تقع، في كتابه الذي حمل العنوان نفسه، وفيه ذهب إلى أن تلك الحرب كانت حرباً افتراضية، رأيناها على الشاشة وتحكمت فيها الكمبيوترات . صدَّق البعض ذلك الوهم، لكن ما جرى في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر أعاد الغرب إلى رشده . هذه المرة لم تكن الأمور افتراضية تُرى على الشاشة، إنما هي أمر رآه المواطن الأمريكي مرأى العين . يومذاك رأت “المجلة الفلسفية البريطانية” أن “ما بعد الحداثة”، بوصفها فلسفة، قد ماتت إثر أحداث 11/9/2001 . فأولئك الذين احتفوا بنظرية “أن حرب الخليج لم تقع” لأنهم من على بعد آلاف الأميال، رأوها على الشاشة، مجرد طائرات تقصف مواقع وليس جيوشاً تشتبك وتكر وتفر، ورأوا في هذا احتفاء ب “ما بعد الحداثة”، صُدموا هذه المرة في عقر دارهم بأن سطوة العالم الواقعي هي من القوة والحقيقة والملموسية إلى درجةٍ يبدو معها الواقع الافتراضي هشاً ووهمياً . لذا يجري اليوم نعي ما بعد الحداثة وإعلان وفاتها تماماً، كما كان دعاتها ومريدوها قد أعلنوا قبل ذلك موت الحداثة التي بنوا عليها سلسلة “ميتات”: موت المؤلف، موت الأيديولوجيا، موت الشعر، موت الفلسفة . ابتدأ الأمر في ما يتصل بإعلان وفاة الحداثة بإعلان نهاية الفلسفات أو النظريات الكبرى التي تحاول الإحاطة بكل شيء أو الإجابة عن كل الأسئلة، على شكل منظومات فكرية متكاملة كما هو الحال عند كَانْت وهيغل وماركس، وجرى الترويج لفكرة التشظي، حيث العالم، حسب زعمهم، عبارة عن شظايا مبعثرة لا مطلق ولا نهائي . كل الأمور نسبية، وتأكيد النسبية وارد في بعض الفلسفات الكبرى القائمة على إخضاع الأمور للفحص، فحين سُئل ماركس مرةً عن القول المأثور الذي يستهويه، أجاب بأنه الشك في كل شيء .

لكن دعاة ما بعد الحداثة ذهبوا بالأمر إلى أقاصيه، إلى حد السخرية من كل شيء، وحد التنصل من كل فكرة، ففي رأيهم كل الأفكار على قدم المساواة، فلا توجد أسئلة كبرى يتعين إرهاق الفكر في البحث عن أجوبة عنها، فهذا العالم عبثي ومجنون إلى درجة لا يستحق معها جهد تأويله أو البحث عن علله . ولكن الذين بشروا بموت الحداثة أسسوا من حيث يعون أو لا يعون، للقاعدة التي يمكن منها الانطلاق لإعلان موت ما بعد الحداثة أيضاً، فلم يعد بالإمكان السخرية من واقع دموي يجلب الموت إلى عقر الدار، بمنزلة ترف منتديات لأناس لم تكتوِ أياديهم بلهب الحياة .

وللغرب في ما يذهب إليه شؤون، لكن لعل هذا النقاش يعيد الصحوة إلى البعض منا الذي يصطف في طليعة المبشرين بتجاوز ما بعد الحداثة إلى ما هو بعدها أيضاً، لأنها قليلة على طموحاته، ناسياً أن مجتمعاتنا ارتدّت حتى عن النزر اليسير من الحداثة التي حققتها، فباتت طموحاتنا هي من التواضع فلا تكاد تتجاوز استرداد ما فقدناه من أفكار، تماماً على طريقة استرجاع ما احتل من أراضٍ .ئ؟

About this publication