“Al-Qaida” American Spring

<--

ربيع «القاعدة »الأميركي

الافتتاحيــة

الأحد 9-9-2012

بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

لم تحظ التقارير الصحفية والاستخباراتية، حول الصفقة التي تمت بين القاعدة وآل سعود وقطر لنقل عناصر القاعدة من اليمن إلى سورية،

بالاهتمام الإعلامي والسياسي، رغم الحديث عنها في كبريات الصحافة العالمية، وإن كان خجولاً، ومقتضباً، فيما يتم تجاهل التقارير التي تتحدث عن مغادرة عناصر القاعدة الحدود الباكستانية الأفغانية والتوجه إلى سورية.‏

وفيما التفسيرات المتباينة لهذا التجاهل المتعمد سياسياً، تتدرج من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تأخذ مسألة الاتفاق قسطاً كبيراً من التساؤلات الموازية لها، على الضفة الأميركية التي تعاملت بصمت مريب وبغض نظر يطرح أكثر من إشارة استفهام، حول تلونات الاستراتيجية الأميركية في مكافحة الإرهاب.‏

من الطبيعي أن يكون التعاطي الأميركي بهذه الالتوائية بالنسبة للمنطقة ويستطيع أي متابع من خارج الولايات المتحدة الأميركية أن يقدم عشرات التفسيرات لذلك، لكن، قد لا يكون الأمر بهذه البساطة في الداخل الأميركي، وحتى المحللين الأميركيين يجدون صعوبة في تفهم دوافع وأسباب مقنعة لسلوك إدارة الرئيس أوباما بحكم أن أحد عشر عاماً مرت والحديث الأميركي عن القاعدة والإرهاب قد مارس استلابه على العقل الأميركي إلى حدود الهيمنة المطلقة حيال الموضوع.‏

فالغضب الأميركي سياسياً وإعلامياً وحتى عسكرياً على أي طرف له صلة بالقاعدة، كان العنوان الأبرز للاستراتيجية الأميركية التي التزم بها الجمهوريون والديمقراطيون، كما كان الشماعة التي استخدمتها السياسية الأميركية لإعلان سخطها على كل من يعارض سياستها، وباتت التهمة الجاهزة لأي دولة أو طرف يناكف السياسة الأميركية حتى لو كان في مجال مخاطر ثقب الأوزون.‏

لذلك، بدا من المنطقي التساؤل عن هذا التجاهل، خصوصاً أن التدابير الأميركية المعلنة والمشهرة حيال وجود عناصر تنظيم القاعدة في أي مكان تبدو خطاً أحمر لا يمكن المهادنة معه ولا المساومة عليه، ووصل الأمر إلى أنها اضطرت للتراجع ظاهرياً عن دعم الكثير من الحركات تحت ذريعة الشبهة بوجود علاقة للقاعدة.‏

والأمر حيال دعم إدارة أوباما للمسلحين في سورية، بدأ مغايراً, وحتى ترددها مالبثت أن بلعته حين أعلنت سوزان رايس عن استمرار دعم أميركا للإرهابيين رغم ما أثارته من لغط في أوساط السياسيين الأميركيين، مثلما كانت مادة مثيرة للاتهامات المتبادلة بين الجمهوريين والديمقراطيين في البازار الانتخابي.‏

هذا مايدفع إلى التساؤل اليوم عن الإرهاب « الجهادي » المنظم من افغانستان إلى المغرب الذي يصب خطوطه في المطارات التركية، والتسهيلات التي يحصل عليها الإرهابيون للعبور عبر الحدود، والمطارات الأخرى.‏

فالنأي الأميركي الذي حل مكان الغضب عن أي عمل له صلة بالقاعدة في الأشهر الأخيرة بات لافتاً، وأصبح أكثر مدعاة للإثارة، حين يقترن بصمت مطبق حيال التحالف المعلن بين الحليف السعودي والقاعدة، وأكثر إثارة للريبة في الدوافع والخبايا، حين يتوازى بالحديث عن تكثيف الاستخبارات الأميركية لوجودها على الحدود التركية والتي لا تقتصر مهمتها على مراقبة الأوضاع وإنما التورط في تسهيل مرور الإرهابيين وتوجيههم!!‏

ربما تحضر هنا كل الاحتمالات وتبرز مشروعية كل الاستنتاجات، خصوصاً حين تضع بالاعتبار المنشأ الأساسي للتنظيم وآليات تمويله الأولى والرعاية السياسية والإعلامية والفتاوية التي اختص بها آل سعود دون سواهم، حيال تنظيم القاعدة، وتحديداً مع الدور السياسي الجديد لبندر بن سلطان بعد رئاسته لاستخبارات آل سعود.‏

فالعلاقة التي تربطه بالقاعدة تنظيمياً تعود إلى السنوات الأولى لنشوء التنظيم، حين كان عنصر الارتباط بين القاعدة والولايات المتحدة الأميركية وبمرتبة «مندوب سامٍ» وهي العلاقة التي تم وأدها بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، ولم تأخذ حجمها من التداول الإعلامي إلا في حالات نادرة، رغم علم الإدارة الأميركية باستمرار هذه العلاقة واستعادة جذوة حضورها في السنتين الأخيرتين.‏

وقد اتضح ذلك بأبعاده الحقيقية، بعد المصالحة الأميركية مع الإسلاميين على خلفية مقتل بن لادن، في تسوية غير معلنة، لفتح صفحة جديدة مع تنظيم القاعدة، ويأتي السكوت الأميركي أو التغاضي أو التجاهل للصفقة الجديدة بين آل سعود والتنظيم وفق هذا المعيار.‏

والمسألة لم تقتصر على ذلك، ولم تكن الولايات المتحدة الأميركية وحدها من تعامل بسياسة النأي عن إثارة اللغط حولها، وإنما سبقتها دول أوروبية وإقليمية وعربية بعد أن كان هناك ضوء أخضر أميركي لتسهيل عبور عناصر التنظيم، فيما بادرت عواصم أوروبية إلى إطلاق سراح من اعتقل منهم وتم تزويدهم بجوازات سفر خالية من إشارات التحفظ.‏

هكذا تستعيد «القاعدة» ربيعها ممهوراً بموافقة أميركية مسبقة، وبتفويض كامل للسعوديين، بطاقم إدارتهم الجديد، في تحالف يتجاوز ما خفي منه في العقد الماضي كله، وفي معادلة أساسها الحنين إلى الماضي وهو حنين لم يقتصر على عودة هذا التحالف، بل أيضاً يشمل الكثير من التنظيمات ذات الأصول الإسلامية التي كانت في جوهرها فكرة أميركية وبتمويل خليجي.‏

ومع ذلك، ثمة استحالة في تقديم تفسير أو إجابة على تساؤلات المواطن الأميركي في خضم البازار الانتخابي، بعد أكثر من عقد من الحرب على تنظيم القاعدة، وتجيير أدوات السياسة والإعلام والمال في مواجهتها.. ما الذي تغير وما الذي تبدل حتى تطوي أميركا صفحات صراعها معه وتعطي حليفها السعودي أوراق التوظيف الإرهابي لها؟!‏

في زمن الربيع العربي وتناقضاته وانقلاب المعايير، من الطبيعي أن يكون ربيع القاعدة مشابهاً لذلك الربيع القادم من صقيع الإرهاب والوهابية والتكفيرية وخصوصاً حين يكون ببصمات أميركية وتمويل البترو دولار، وتحالف معلن بين الوهابية والأخوانية والقاعدة يمكن فهم مغزاه من التركيز الإعلامي في قنوات آل سعود على نقاط الالتقاء والتقاطع في الأفكار والمناهج والسلوك والسياسة بين السلفية والأخوانية!!‏

About this publication