بالأمس كان 11 سبتمبر، ذلك اليوم الأسرع في تاريخ البشرية، وكان أخطر الأيام التي عادت بالكوارث والسمعة السيئة على العرب والمسلمين في العالم كله.
أذكر هذا اليوم كأنه بالأمس، يوم تفجير البرجين وتحطيم البنتاغون ومحاولات تفجير الكونغرس والبيت الأبيض. وأذكر أن كثيرا من الأصدقاء المحبطين من السياسة الأميركية الموالية لإسرائيل، الذين يفتقدون أي نصر عربي من أي نوع، اتصلوا بي يومها مهللين مستبشرين هاتفين: «الله أكبر.. لقد لقنا الأميركان درسا لن ينسوه»!
وكنت أتألم كثيرا من تلك الملاحظات وأحذرهم أن تلك الفرحة الساذجة سوف تنقلب إلى ندم وألم ومعاناة لكل من هو عربي أو مسلم في هذا العالم، وأن تحطيم الأبراج هو عمل سيجعل كل ما له علاقة بالعروبة والإسلام يدفع فاتورة باهظة التكاليف! وكان بعض الأخوة يتهمني بالخوف والتردد والجبن بل والعمالة، ويختتم عبارته قائلا «أنت أصلك موش فاهم الأميركان دول يخافوا ما يختشوش!»
ولم يمر شهر واحد، حتى عاد هؤلاء وهم يجرون خلفهم خيبة الأمل والشعور بالخزي والعار. وجاء أحدهم يشكو من عدم منحه تأشيرة دخول للولايات المتحدة، والثاني يحتاج إلى الانتظار شهرا حتى يحصل على مقابلة في سفارة فرنسا، وأخرى محجبة تقيم في نيويورك اضطرت إلى استبدال الحجاب بطاقية كرة قدم أميركية، ورابع اضطر لأن ينقل ابنه من جامعة في لوس أنجليس إلى أخرى في دبي، وسادس يواجه مشاكل مع مصرفه التقليدي في سويسرا لأنه بدأ يدقق في كل دولار يدخل أو يخرج من حسابه.
لقد تعرض العرب إلى هذه الحالة 3 مرات في النصف قرن الماضي؛ الأولى عقب هزيمة 1967، والثانية عقب أحداث قتل الرياضيين الإسرائيليين في دورة ميونيخ، والثالثة عقب أحداث سبتمبر الشهيرة. في كل مرة تتعرض الصورة الذهنية للإسلام والمسلمين والعرب والعروبة على أنهم «همج، متوحشون، قتلة، يقتلون الناس بدم بارد، يكرهون غيرهم ويحقدون على الديانات الأخرى». ولا يكفي أن نقول لبعضنا البعض «إن هذا بالطبع هراء وكذب وادعاء مغلوط»، ولكن علينا أن ننتقل من حالة الخطاب مع الذات وتعزية النفس إلى الخطاب الذكي الواعي إلى الآخر الذي يرانا بصورة مشوهة ومتوحشة.
نحن فقط دون غيرنا الذين نتحمل مسؤولية تحسين الصورة الذهنية النمطية السيئة عنا. الاشتباك بالحوار الحضاري هو أهم نوع من أنواع الاشتباكات في ندوات ومؤتمرات ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيري، وفي عمل معارض ثقافية لحضارتنا وآثارنا. والأهم من كل هذه الأمور في سلوكنا ونحن نتعامل مع الآخر!
لقد دخل الإسلام إندونيسيا وأماكن كثيرة في جنوب شرقي آسيا تاريخيا دون أن يرفع سيف واحد أو تهرق نقطة دم واحدة تحت التأثير الإيجابي لسلوك التجار المسلمين الحضاري في تلك الأماكن.
وما يفعله طغاة العرب من قتل ومجازر هذه الأيام على شاشات التلفاز هو عودة مرة أخرى إلى تشويه صورتنا وتأكيد الصورة الذهنية بأننا أمة من القتلة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.