Ambassador Killed

<--

مقتل سفير

بقلم: محمد عبد الجبار الشبوط – 13-09-2012 | (صوت العراق) | نسخة سهلة الطبع

يشكل مقتل السفير الاميركي في ليبيا انتكاسة كبيرة، معنويا وسياسيا، للدور الاميركي في ليبيا ما بعد القذافي. واذا كانت هذه العملية مخططا لها ومقصودة، فلا بد ان الذين خططوا لها على درجة عالية من فهم النفسية الاميركية. لابد انهم يدركون ان الولايات المتحدة لا تتحمل عملا يتعلق مباشرة بالمهابة والكرامة الاميركية التي تشكل احد اهم محددات او دوافع السلوك السياسي الخارجي الاميركي. وحين تتعرض الولايات المتحدة لعملية من هذا النوع فان رد فعلها يكون قويا عادة، بل قد يكون قويا بصورة مفرطة احيانا. الولايات المتحدة انسحبت من الصومال لا لأن مصالحها الستراتيجية في هذا البلد الافريقي، بل في منطقة القرن الافريقي قد تغيرت، ولكن لان كرامتها الدولية تلقت ضربة مهينة.

مقتل سفير اميركي في بلد حديث التحرر بمساعدة اميركية ليس حدثا هينا، انه حدث تأريخي سوف تكون له نتائج كبيرة وكثيرة تتعلق بالستراتيجية الاميركية نفسها. و لا جدوى من القول ان هذه الستراتيجية لا تتأثر بمقتل شخص، ذلك لأنها مرتبطة اساسا بالمهابة الدولية التي لا يمكن للولايات المتحدة ان تسمح بالتعرض لها. والمهابة، كما نظّر لها مورجنتاو، واحدة من اهم ركائز ستراتيجيات الدول العظمى.

وتثير هذه العملية النوعية الكثير من الاسئلة حول مصائر “الربيع العربي” الذي قدمت الولايات المتحدة له الكثير من الدعم، سواء في مصر او ليبيا او اليمن او الان في سوريا. ولا يبدو ان رياح هذا الربيع تهب على وفق ما ترغب به السفن الاميركية. فهو يتجه وجهة اصولية سلفية متطرفة كانت الولايات المتحدة، على الاقل منذ 11 ايلول، هدفا مباشرا لها. واذا جاز اعتبار مقتل السفير الاميركي مؤشرا على مستقبل هذا الربيع، فلا يبدو ان هذا “الربيع” سيكون صديقا للولايات المتحدة. بل ان بعض الذين تمكنوا من استغلال الفرصة التي اتاحها لهم، يسيئون الان الى العرب والاسلام نفسه، رغم انهم يتحركون باسم الاسلام. فالعرب والمسلمون مثلا لا يقتلون السفراء. كما انهم يتحركون باتجاه استثارة استقطاب طائفي في المنطقة، بدل التحرك من اجل اقامة ديمقراطيات متعايشة ومتعاونة في ما بينها. انهم ببساطة يعيدون المنطقة الى العصور الوسطى او بتعبير قد يكون اكثر دقة الى ايام الحروب الوسطى، وحروبها المتناسلة لا بين العرب والفرنج فقط، لكن بين العرب انفسهم ايضا.

واذا نظر الاميركيون الى هذا الحدث من هذه الزاوية فان نتائجه على العقل الاميركي الرسمي والشعبي لن تكون عادية وبسيطة. وربما ستكون ردة الفعل الاميركية على هذا سلبية جدا، كما كان اثر هزيمة فيتنام كبيرا وعميقا وقويا على العقل السياسي الاميركي.

يرى البعض ان الولايات المتحدة لا تحصد سوى بعض ما زرعته هي او بعض اصدقائها في المنطقة، وهم يشيرون بذلك الى الدعم الذي تقدمه بصورة مباشرة او غير مباشرة الى قوى معينة تقوم الان بسرقة الربيع العربي واجهاضه وافشال المشروع الديمقراطي في المنطقة.

واذا صح هذا الزعم، فان ذلك يعني ان الولايات المتحدة تتعرض الآن لانتكاسة قد تكون اكبر مما قد يبدو على السطح!.

About this publication