من الطبيعي جداً، أن يجد الفيلم القذر والهابط، الذي تم تصويره في أميركا، للإساءة إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ردّات فعل مختلفة في العالم الإسلامي، خصوصاً في ظلِّ غياب عام وكبير لمرجعيات دينية عقلانية،قادرة على التواصل مع الجماهير المُسلمة، المُمتدة من طنجة إلى جكارتا.
والغريب أن الغرب الذي يدعي الحضارة، وأنه هو الذي يؤسس لحوار مع الآخر، يقع بين زمان وآخر في مصيدة المواجهة مع العالم الإسلامي، بسكوته عن هذه الأعمال الإجرامية،التي تمسُّ كرامة كل مسلم على الأرض، حياً كان أو ميتاً، كما تدفع تلك التبريرات الغبية والساذجة، لكل عمل إجرامي يمسُّ المقدسات الإسلامية، إلى تكريس هذه المواجهة، عندما يخرج علينا زعماؤه ليقولوا: إن هذه الأعمال تأتي من باب حرية الرأي والتعبير!!!!
منذ متى كانت حرية الرأي والتعبير تسمح بالإساءة إلى الآخرين؟! والعبث بحرماتهم ومقدساتهم؟!، ونحن كمسلمين ليست لنا مشكلة تجاه الآخر؛ فالإسلام يطالبنا بالاعتراف بالآخرين فكراً وديناً وحضارة، والإسلام خاطب جميع الحضارات والأديان التي سبقته، وتفاعل معها، واستفاد منها، وأضاف إليها، دون محاولة إلغائها أو استعدائها، وعقيدتنا تلزمنا بالاعتراف بالعقائد السماوية الأخرى، ومذنب أمام الله من يمسُّ الآخرين بأديانهم وأنبيائهم، أو يجبرهم على تغيير معتقداتهم، «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ»، ولكن المشكلة في الآخر، الذي لا يعترف أصلاً بالإسلام كحضارة وعقيدة، ويرى فيه إلغاءً له، وبالتالي لا بدّ من الصِّدام معه، وتاريخياً كان هذا الاعتقاد سبب الصّدامات بين الغرب الدخيل على النصرانية، والشرق المسلم.
وإنصافا للتاريخ ، فإن صِّدام الأديان والحضارات ، جاءت بوادره من الغرب الدخيل على النصرانية – كما قلنا – ولا يوجد في الاصل صدام بين المسيحية والإسلام ، فنصارى الشرق جزء لا يتجزأ من أمَّتنا ، بل ركن أساس في بنائها ، وقد شهد التاريخ على أروع نماذج التعاون بين المسلمين ، والنصارى أصحاب رسالة عيسى عليه السلام في الشرق. وإن سجّل التاريخ بعض الأحداث الناشزة في هذه المسيرة المضيئة، في فترات انحسار المدِّ الإيماني لدى المسلمين والنصارى ، جاءت بتوجيه من جهات مباشرة أجنبية لا تريد خيرا للفريقين.
وبالعودة إلى الفيلم المسيء نؤكد: إنّ هذا العمل المشين يسيء للغربيين قبل المسلمين، فمحمد صلى الله عليه وسلم سيظل في ذهن البشرية، وفي حسابات الأرض والسماء، أعظم خلق الله وأعظم مُصلِح في التاريخ وأعظم ثائر، حتى في المفهوم الغربي نفسه، وقد كتب بهذا وشهد به آلاف المفكرين الغربيين، وما هذه التحرشات إلا صغائر لا تتعدى القيمة المتدنية لمفتعليها، ولكنّها تؤشر على مدى تغلغل اليهود في أميركا وكل الغرب، وسيطرتهم على مفاصل السياسة والفكر والإعلام هناك، واستخدام المغفلين من أبنائها كوقود للصراع الدائر بيننا وبين هؤلاء اليهود.
وللأسف ، إن هذه الحقيقة يدركها معظم السَّاسة والمفكرين في الدول الأوروبية وامريكا، ولكن لاعتبارات كثيرة ، ولتحكم اليهود في مفاصل الأحداث هناك، وقوة ضغطهم ، يحاولون غضَّ الطرف عنها ، ويقبلون أن تُساقَ دولهم وشعوبهم إلى معركة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
الموقف المطلوب منّا هذه المرة إزاء هذه التحرشات ، موقف عقلاني ، بعيد عن العواطف التي سرعان ما تخبو ، حيث يجب أن نواجه الموقف برد مدروس وصارم، من خلال تفعيل دور المؤسسات الإسلامية العاملة في أوروبا وأمريكا ، لإيصال فكرة الإسلام الحقيقية إلى مختلف الناس هناك.
وعلينا ألاّ نشعر بالانكسار إزاء هذه الإساءات لرسولنا العظيم ، سيدنا وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، حيث إنه منذ فجر دعوته ، ومنذ أن أُلقي عليه القول الثقيل ، وهو يتعرّض للإساءات من كل الجهات ، التي لا تريد الخير للخلق والبشرية ، بدءا بكفار قريش ، مرورا بقبائل الطائف وقبائل الكفر في القرون الحديثة ، التي تمثلها دول الاستكبار في العالم وصولا إلى اليهود ، الذين لا يزالون يدبّرون ويديرون هذه الحملات حتى يومنا هذا ، له ولدعوته.
مُحَمَّدٌ سَيَظَلُّ مُحَمَّداً ، وهو رسول الله وأعظم خلقه وأشرفهم، وسيظل العلامة الفارقة في تاريخ البشرية ، ولكننا نحن من يُهان بسبب هذه الحملات ، لأننا لم نعد نستطيع حمل رسالته ، ولم نعد على قدر الأمانة ، ونمارس الردّة عن هذه الرسالة كلّ يوم بل كلّ ساعة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.