Edited by Kathleen Weinberger
خيبة أمل عميقة تطفح بها تعليقات المراقبين والسياسيين والمحللين، حيال التطورات في محيط السفارات الأمريكية في عدد من دول المنطقة…خصوصاً في بنغازي التي يعتقد الأمريكيون بأنها “محرروها” من قبضة “الديكتاتور”، وأنهم هم بالذات، مَنْ حال دون تدمير المدينة على رؤوس أصحابها وساكنيها، عندما أرسل “مجنون ليبيا وعقيدها” جحافله إليها بأوامر صريحة: نساؤهم سبايا لكم، وأموالهم حلال عليكم، فلا تتركوا فيها حجراً على حجر، ولا تأخذكم بأهلها شفقة ولا رأفة.
على أن ليبيا وبنغازي، لا تختصران “المسألة” برمتها…هناك قناعة عميقة آخذة في التسرب إلى العقل الأمريكي: الشرق الأوسط ليست منطقة صديقة للولايات المتحدة…لم تكن كذلك من قبل، والأرجح أنها لن تكون من بعد…إنهم يكرهوننا…ولقد صدرت صحف ومقالات وتعليقات تتناول هذا التحول السريع في مواقف “شوارع الربيع العربي”: لقد كنا أصدقاء بالأمس، ساعدنا ودعمنا شعوب هذه الدول للتخلص والخلاص من الديكتاتورية والإستبداد..لقد انقلبوا علينا، عاقبونا بقتل دبلوماسيينا بدل أن يظهروا قدراً من التقدير والإمتنان.
الإدارة الأمريكية في مأزق حقيقي…هي امتطت صهوة الربيع العربي، وسعت في جعله أمريكياً ما أمكن…لكنها اليوم تواجه فيه وعلى أرضه “11 سبتمبر” ثانيةً…وثمة من داخل البيت من يقف بالمرصاد لهذه الإدارة، ويتصيد أخطاءها، وفي توقيت سيء للغاية، حيث لم يبق سوى أسابيع قليلة فقط على “الإستحقاق الرئاسي”..ميت رومني والجمهوريون وجدوا ضالتهم في أحداث بنغازي والقاهرة وصنعاء…هجومهم الصاعق على إدارة أوباما يكاد يعصف بالفوارق الضئيلة بين المرشحين في السباق على البيت الأبيض…لدينا مأزق قيادة، ليست لدينا قيادة، هكذا يصرخ الجمهوريون، وعلى هذه “الفرضية” تبني شبكة “فوكس نويز”، حملاتها الضارية على أوباما والديمقراطيين.
انتقال شرارة الاحتجاجات إلى القاهرة وصنعاء، جعل المشهد أكثر دراماتيكية…في ليبيا قيل أن من قام بهذه العملية، هي جماعة “معزولة” تنتمي للقاعدة، استفادت من ضعف الدولة ومؤسساتها الأمنية…ولكن ما الذي يمكن أن يُقال في الحالة المصرية، حيث هناك دولة ومؤسسات وجيش ورئاسة تتحضر لزيارة واشنطن…ماذا يمكن القول في “الحالة اليمنية”، فالرئيس عبدربه منصور هادي، لقي الدعم والإسناد من واشنطن، ولديه حلفاء كثر في المنطقة وهناك جيش وأجهزة..هل يعقل أن تخفق هذه الأنظمة في حماية سفارات الدولة الأعظم…أم أنها لحسابات “انتهازية” تجد نفسها في تواطئ مع المتظاهرين، وتسمح لنفر منهم بتسلق جدران السفارات الشاهقة، وتمزيق العلم الأمريكي ووضع أعلام سوداء (رايات الإسلاميين) في مكانه؟.
الشرق الأوسط الذي كان غائباً بمختلف ملفاته عن الصحافة والإعلام والحملات الإنتخابية في الولايات المتحدة، حتى أنني بالكاد كنت أعثر على خبر صغير هنا أو تعليق هناك….الشرق الأوسط المنسي هذا، عاد ليتصدر نشرات الأخبار ومانشيتات الصحف…شبكات التلفزة في بث حي ومباشر لساعات طويلة، من القاهرة وبنغازي وصنعاء وطهران…البرامج الحوارية غيرت أولوياتها وضيوفها..لا شيء يعدل الشرق الأوسط في أهميته الآن..لقد صار محور الحملات الإنتخابية، ووفر مادة دسمة، لم تكن في الحسبان، لسيل الإتهامات المتبادلة بين الفريقين، حتى أن أنصاراً متحمسين لرومني اتهموه بخوض “حرب النساء لحقوق متساوية” في أمريكا، بدل أن يواصل ما بدأه الجمهوريون من “حرب على الإرهاب في العالم”…ولم يسلم “الإنجاز” الذي حاول أوباما تسويقه على انتصار تاريخي في الحرب على الإرهاب – قتل أسامة بن لادن – من محاولات التسفيه التي شنها خصومه: من ستقتل يا سيد أوباما في ليبيا اليوم…أنت ستقتل أحداً بلا شك، وقبل نوفمبر القادم…السؤال من ستقتل هذه المرة للبرهنة على وجود “قيادة” في أمريكا (؟!).
ولأن إسرائيل حاضرة في “عرس أمريكي”، فقد جاء من يقيم صلة بين “ضعف الرد الأمريكي” على أحداث بنغازي من جهةو واعذار أوباما عن استقبال نتنياهو في زيارته القادمة للولايات المتحدة…حتى أن البعض سخر من الرئيس الأمريكي الذي وجدت إدارته متسعاً من الوقت للإعتذار عن “الفيلم المسيء”، ولم تجد وقتاً للقاء حليفها “الديمقراطي” الذي يشاطرها القيم ذاتها: بينيامين نتنياهو.
خلاصة القول، أن الولايات المتحدة تعيش هذه الأيام مناخات “صدمة” حيال الربيع العربي…ليس لأنها فقدت أول سفير لها يلقى مصرعه وهو في الخدمة منذ ثلاثة عقود (سادس سفير في تاريخ الولايات المتحدة)، بل لأنها تعتقد أن “الإسلاميين الجاحدين” ردوا على الحسنة بالسيئة، وأنهم قوم يصعب الوثوق بهم ومن المُحال “النوم معهم في سرير واحد” بعد اليوم.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.