This Beautiful Anger

<--

طوال الأيام الماضية عاش المسلمون لحظات صدق نادرة جاءت كرد فعل عفوي على الاساءة لرمز الامة الاكبر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم. والغضب الساطع الذي اجتاح بلاد الاسلام من اقصاها الى اقصاها يدعو الى الزهو والاعجاب. اذ لم يعد من السهل أبداً أن تنتفض الامة وتنفض عنها غبار الذّل وتهب كرجل واحد وتعلن عن رفضها للعمل المسيء. والحقيقة انّ هذا الغضب وضعنا في حالة استثنائية فارقة ومنحنا لحظات من الكبرياء لا تحدث في حياة الامة الا نادراً واضاءت القناديل المطفأة داخل النفس العربيّة.

الملايين من المسلمين تحولوا الى بحار من العنفوان بلا ضفاف ولابدّ من شاهد هذه الجموع الهادرة شعر انّ الحادثة على بشاعتها قد منحتهم لحظات من القوة لم يكونوا عليها منذ قرون. لسنا دعاة عنف ولكن العمل المسيء بعث الامل في الامة من جديد. بل الاهم كما يبدو ان الامة اكتشفت ان عوامل وحدتها اكبر بكثير من اسباب تشتتها.

لقد كنا – كمسلمين – قبل حادث الفيلم ننتمي الى فصيلة الزواحف القطبية التي تعض بعضها بعضا بجنون وكان العالم يتفرج علينا بنشوة لا حدود لها وحين هبّ المسلمون ثائرين فإنهم اجبروا العالم على احترامهم. وليس ادل على هذا من اصوات الادانة والاستنكار ما تضمنه هذا الفيلم وبالأخص ما صدر عن وزيرة الخارجية الاميركية ووصفها الفيلم بأنّه “مقرف”. ولا نشك أنّ الولايات المتحدة الاميركية ودول الغرب عامة سيحسبون الف حساب بعد الآن لأي عمل يستهدف مقام رسولنا الاكرم صلي الله عليه وآله وسلم. بعد أن كانوا يتهمون المسلمين بالهمجية تارة والبداوة تارة اخرى.

الولايات المتحدة الاميركية التي سمحت بإنتاج الفيلم ومحاولتها تشويه صورته الناصعة تبرهن انّها لا تقيم وزنا لمعتقدات الآخرين ولذلك فإنها لا تكف من تكرار الاساءة المرة تلو الاخرى وهذه المرة هذا الفيلم الهابط والهزيل القائم على التلفيق والكذب وتزوير الحقائق. ومن السذاجة بمكان محاولة اقناع من يحملون الاحقاد على الاسلام باحترام عقيدتهم.

منذ الف واربعمئة سنة والمسلمون يحاولون ان يبرزوا اصالة عقيدتهم الى العالم لكنهم يفشلون. ومنذ الف واربع مئة سنة ودساتيرهم تتصدرها مادة الاسلام هو المصدر الاساس للتشريع لكنّ الواقع يخالف ممارساتهم. هذا الانفصام الحاد بين النظرية والواقع هو سبب ضعفهم وهوانهم امام العالم حتى تداعت علينا الامم كما قال رسولنا الاكرم “ص” تكاد الامم ان تتداعى عليكم كما تتداعى الاكلة على قصعتها. قيل أو من قلة نحنُ يومئذ يا رسول الله؟ قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل.

إنّ الاسلام كنظرية يمكن أن يُقرأ في أمهات الكتب الاسلامية وهي عديدة. والاسلام كمبادئ ونصوص مبثوث بكل تفاصيله وحيثياته في المصادر التشريعية. لكنّ هذا هو الاسلام السهل أما الاسلام الصعب فهو اسلام الممارسة والتطبيق اسلام المواجهة مع النفس اولاً ومع من يسيء الى رموزه بالدرجة الثانية. لا يكفي أن ننطق بالشهادتين لنكون مسلمين ولا يكفي ان نؤدي الطقوس من صلاة وصيام في اوقاتها ونطلق اللحى لنكون جديرين بهذا الدين العظيم. ان عقيدة الاسلام ليست زيا نرتديه وقت ما نشاء ونخلعه وقت ما نشاء بل الاسلام ان تجد النصوص صداها في ارض الواقع ممارسة.

منذ زمن كنت مقتنعا بأنّ ما يجمع أبناء الامة الاسلامية اكثر بما لا يقاس مع ما يفرقهم وجاءت أزمة العمل المسيء لنبي الامة لترسخ قناعتي. ويا ليت لو يبقى المسلمون على الدوام متأهبن لرد الاهانات التي تمس عقيدتهم أيا كان مصدرها من الخارج أم من الداخل. وليتهم يستثمرون لحظات الغضب الجميل في المزيد من الاتحاد ببعضهم لتفويت الفرص على اعدائهم.

About this publication