ثمة سابقة في »إسرائيل« أن يقدم رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على إجراء انتخابات مبكرة، في الوقت الذي يبدو مرتاحاً لوضعه السياسي الائتلافي والشعبي . وثمة إشارات متعددة أن هناك أسباباً غير معلنة وراء موقفه، فما هي الخلفيات وما هي حدود النجاحات؟
في العام 1996 عندما وصل إلى رئاسة الوزراء للمرة الأولى ضد منافسه شمعون بيريز، اعتبر فوزه نصراً على الإدارة الأمريكية برئاسة بيل كلينتون آنذاك الذي دعم منافسه . وفي العام 1999 عندما خسر معركة التجديد أمام منافسه رئيس حزب العمل أيهود باراك، اعتبر أن كلينتون تمكن من إسقاطه بعدما فشل في المرة الأولى .
ويبدو أن نتنياهو يخشى الموقف نفسه حالياً مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما . في حينها مضى نتنياهو بمقارعة أمريكا، وإفشال مشاريعها تجاه حل الدولتين، وخلق حرجاً كبيراً لسياسات واشنطن في المنطقة بخاصة تجاه مصر والأردن وغيرهما . واليوم تبدو الظروف متشابهة، يقارع أوباما بإفراغ حل مشروع الدولتين من مضمونه، وحاول حشد اللوبي اليهودي بمواجهة أوباما للضغط نحو توجيه ضربة عسكرية مشتركة أو منفردة ضد إيران على خلفية البرنامج النووي، كما أحرج أوباما أمام منافسه ميت رومني في محاولة انتزاع موقف في ما يخص الحد الأقصى لليورانيوم المخصب الإيراني لتصبح »تل أبيب« في حل من أمرها بتوجيه ضربة منفردة لطهران . وبذلك لدى نتنياهو مبررات منطقية بأن أوباما سيعمل ضده إذا ما ظلت الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني ،2013 كما يعتقد نتنياهو بأن أوباما سيكون متحرراً من القيود في حال فوزه وسيمارس ضغوطاً استثنائية عليه .
كل ذلك لا يعني بالضرورة أن لا أسباب داخلية لتبكير الانتخابات، إلا أن جميعها تأتي في الدرجتين الثانية والثالثة . فالوضع الاقتصادي لا يشكل عبئاً انتخابياً من وجهة نظر نتنياهو طالما أن الدوافع الأمنية على قاعدة خطر البرنامج النووي الإيراني يتصدر هواجس الشارع »الإسرائيلي«، وهذا ما أكدته مؤخراً العديد من استطلاعات الرأي التي أتت لمصلحته بنسب عالية جداً .
ومن المتوقع ألا تلعب القضايا الاقتصادية الاجتماعية دوراً بارزاً أو مرجحاً في التعبئة السياسية للانتخابات، باعتبار أن المخاطر الأمنية على »إسرائيل« مرتفعة، سواءً بسبب تداعيات الحراك العربي، خاصة في مصر وسوريا، أو بسبب المشروع النووي الإيراني . إضافة إلى ذلك ليس ثمة تيار سياسي أو زعيم، يمكنه المزايدة على نتنياهو في قضية الأمن، بل إن استطلاعات الرأي العام الأخيرة في »إسرائيل« تبيّن أن ظهور تحديات كبيرة من جانب أحزاب الوسط اليسار ليس كبيراً، وبالتالي لن يؤثر في فرص الليكود والأحزاب اليمينية المتطرفة العودة بقوة إلى الساحة مجدداً، أو حتى زيادتها بنسبة ضئيلة في الانتخابات المبكرة المقررة في يناير/كانون الثاني المقبل .
تشير سوابق استطلاعات الرأي العام في »إسرائيل« إلى أنه غالباً ما تأتي في نتائجها متقاربة من نتائج الانتخابات الفعلية، إلا أن ذلك مرهون بمدى بقاء الوقائع والأحداث في المنطقة على حالها، وعدم تأثيرها في الداخل »الإسرائيلي« حتى موعد الانتخابات في يناير/كانون الثاني المقبل . إلا أنه وفي حال حدوث تغيرات كبيرة كحرب في المنطقة، أو هجمات على المستوطنات أو غيرها من المسائل، فإن ذلك قد يؤثر في اتجاهات الرأي العام »الإسرائيلي« . إلا أن الثابت في المجتمع »الإسرائيلي«، أنه كلما ارتفع الهاجس الأمني لدى المواطن »الإسرائيلي« يزداد قرباً تجاه اليمين .
في أي حال، عود بنيامين نتنياهو المجتمع السياسي »الإسرائيلي« والإقليمي والدولي على انعطافاته السريعة وقدرته على المناورة والتلاعب بهدف الوصول إلى ما يريد، فهل سينجح في مخططاته الخارجية وبخاصة تجاه طهران من خلال اللعب على حساسية الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين أوباما وروميني؟ لقد أجاد معظم رؤساء الوزراء »الإسرائيليين« سابقاً في استثمار واستغلال الانتخابات الأمريكية على أكمل وجه، ويبدو حتى الآن أن نتنياهو ستحفزه العقدة الأمريكية السابقة والإيرانية اللاحقة في هذا الاتجاه
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.