هل صحيح أن فيلماً تلفزيونياً عن عملية اغتيال لأحد خصوم أمريكا هو السبب في فوز باراك أوباماً في انتخابات الرئاسة؟ بعض وسائل الإعلام التي تعتمد الإثارة تحمل قراءها بهذا الاتجاه، لكنّه من وجهة نظري غير صحيح، على الأقل في حالة باراك أوباما وخصمه الخاسر ميت رومني . صحيح أن الاعتبارات الشكلية، بما فيها وسامة المرشّح، تلعب في كثير من الأحيان دوراً في اختيارات الأمريكيين، لكن الأصح أن الناخبين غير ملومين على ذلك، لأنه لا توجد أصلاً فروق جوهرية بين المرشّحين، وبخاصة في الجولات الثلاث عشرة الأخيرة بعد الحرب العالمية الثانية .
إذا كان لذلك الفيلم أن يخدم أوباما، فلقد سبقه، في أغسطس/ آب الماضي الفيلم الوثائقي “أوباما أمريكا 2016”الذي حقق إيرادات عالية بلغت خمسة ملايين يورو خلال أسبوع، وكعادة خصوم أوباما منذ ما قبل ولايته الأولى تمحور الفيلم الوثائقي حول جذور أوباما الإفريقية، رغم أن أغلبية الأمريكيين تجاوزوا عقدة العنصرية، وهذا يحسب لهم حضارياً وتاريخياً .
سنة 1999 تنافس ايهود باراك مع بنيامين نتنياهو في الانتخابات على رئاسة الحكومة “الإسرائيلية«، وكان القائمون على حملة باراك معنيين تماماً بتوظيف تاريخه العسكري الذي يعني، فلسطينياً وعربياً وإنسانياً، تاريخاً إرهابياً . ورغم أن باراك هو الأكثر حيازة للنياشين العسكرية في الجيش الصهيوني، إلا أن هذا لم يكف القائمين على حملته الانتخابية الذين أعدوا ريبورتاجات مصوّرة تستعرض تاريخه العسكري، وركّزوا على عمليات الاغتيال التي شارك في تنفيذها أو أشرف عليها . وبرزت في تلك الحملة الانتخابية صورة يظهر فيها باراك وهو يشد الشهيدة دلال المغربي من شعرها فيما كانت مضرّجة بدمائها وقلبها متوقّف عن الخفقان .
من موقعنا في الصراع العربي – الصهيوني نرفض اغتصاب فلسطين من حيث المبدأ، ونرفض جرائم الاحتلال من حيث المبدأ والتفاصيل . في الوقت ذاته نفهم ونتفهّم أن ينتهي مصير مناضل أو مناضلة بالاستشهاد في ساحة معركة أو خلال عملية عسكرية، ولا نلوم العدو على استشهاد أي مناضل في حالة اشتباك . لكن أي متابع موضوعي من خارج هذا الصراع لا يمكنه، وهو يشاهد تلك الصورة، إلا أن يصنّف باراك كعسكري فقد أخلاقيات الحرب، أما توظيفها في حملة انتخابية فإنه نوع من السادية وتعبير عن الإجرام بأبشع صوره .
مهما يكن من أمر، فإنه في حالتي الباراكين أوباما وإيهود، يتضح إلى أي مدى يجري اللجوء إلى “الميديا”ليس في المعارك الميدانية فحسب، إنما في المعارك السياسية والانتخابية، لكن حبذا لو تم ذلك تحت سقف الصدقية والأخلاق والإنسانية .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.