خمسة دروس من الانتخابات الأمريكية ! * باتر محمد علي وردم
ساد المنطق في النهاية ونجح الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حسم ولاية ثانية بعد منافسة شرسة مع المرشح الجمهوري ميت رومني والذي حقق عددا أعلى من أصوات الناخبين الأفراد، فيما جاء فوز أوباما نتيجة تحقيقه النصر في الولايات الكبرى ذات العدد الأكبر من المندوبين، وهي مفارقة تتميز بها الانتخابات الأمريكية وتثير بعض التساؤلات حول مدى تمثيلها للرأي العام بشكل حقيقي.
شعر العالم خارج الولايات المتحدة بالكثير من الارتياح لفوز أوباما والذي تمكن من تنظيف سمعة الولايات المتحدة بشكل كبير من إرث جورج بوش والحزب الجمهوري، وكان استبيان جرى في أكثر من 60 دولة أوضح أن كافة الناخبين فضلوا أوباما باستثناء إسرائيل التي كانت تفضل انتخاب رومني. فوز أوباما كان ايضا مريحا لكافة التيارات والقوى السياسية في الولايات المتحدة التي تؤمن بالتعددية الثقافية والدينية وضربة موجعة للتيار اليميني الذي نما بشكل كبير مؤخرا وخاصة مع إنشاء ما يسمى “حزب الشاي” الذي طرح فكرا أكثر يمينية وتطرفا من المحافظين الجدد.
هنالك خمسة دروس رئيسية يمكن استنباطها من الانتخابات الأمريكية الأخيرة وقد يكون لبعض منها تأثيرات وتداعيات على الديمقراطية في البلدان العربية.
أولا لا يوجد قانون انتخابي كامل يحقق المساواة بين الناخبين حيث جاء الحسم لمصلحة المرشح الذي حقق الفوز في الولايات المؤثرة وذات العدد الأكبر من أصوات المندوبين، بينما حقق رومني فوزا ضئيلا في معيار العدد الكلي للناخبين.
ثانيا رسخ الناخب الأمريكي التوجه نحو السلام والهدوء في العلاقات الدولية عن طريق اختيار أوباما بدلا من رومني الذي كان بوسعه جر الولايات المتحدة إلى المزيد من الصراعات العالمية وإساءة العلاقات مع كافة دول العالم تقريبا، وبالتالي ثبت أن هنالك حدودا لانتشار الفكر الانعزالي العنصري في الولايات المتحدة.
ثالثا لم يعد تأثير المال السياسي والشركات الكبرى وحتى اللوبي اليهودي بنفس القوة السابقة حيث تم حشد مئات الملايين من الدولارات لدعم حملة رومني من قبل العديد من جماعات المصالح اليمينية والشركات النفطية والرأسمالية الأخرى ولكن خيار الرأي العام جاء في مصلحة أوباما الذي حصل على دعم القوى والمنظمات المدنية المؤمنة بالتضامن والسلم.
رابعا جرت الانتخابات في جو مثالي من احترام الرأي الآخر ورفض العنف ولم تسجل إلا حالة واحدة في إلقاء قنبلة مولوتوف على أحد المقار الانتخابية لأوباما وهذه تشكل مزحة مقارنة بالعنف الذي يمارس في انتخابات الدول النامية. كاتن هنالك أيضا قبول سريع بالنتائج من قبل المرشح المهزوم والذي لم يضع قدمة بالحائط ولم يحرض أنصاره لافتعال الشغب والعصيان المدني.
خامسا كانت هذه الانتخابات تعتمد على الأفكار والمبادئ والإجراءات والبرامج التي طرحها الطرفان ودافعا عنها في المناظرات والسجالات وبالتالي كانت الانتخابات عملية تثقيفية عامة للرأي العام الأمريكي حول القضايا ذات الأولوية ومواقف الحزبين والمرشحين منها ولم تكن حول الأصول والمنابت والهويات. هذا بالرغم من محاولات بعض الجهات في حزب الشاي التركيز على أصول أوباما وهويته الدينية ولكن هذا أمر ادى إلى رد فعل عكسي رفض هذه العنصرية وبالتالي ساهم في منح أوباما المزيد من التأييد.
في نهاية الأمر أوباما ليس بوش، وليس رومني وهو من أفضل الرؤساء الأميركيين الذين مروا في تاريخ البيت الأبيض ومن المريح للجميع بقاؤه لأربع سنوات أخرى.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.