.
Posted on November 29, 2012.
فى الجزء الأول من هذا المقال، ذكرت أن هناك تناقضاً بين الإخوان والولايات المتحدة، وهو تناقض جوهرى، مثل التناقض بين الاشتراكية والرأسمالية، ونستكمل شرح هذا التناقض.
عندما أعدم سيد قطب شنقا فى 1966 بتهمة تأسيس تنظيم سرى وهو فى السجن للانقلاب على الثورة. ثم أخرجهم الرئيس المقتول من السجون ليسا حبا فيهم ولكن لاستعمالهم ضد خصومه الناصريين والماركسيين واليساريين الذين عارضوا سياسة الانفتاح الاقتصادى، وقوانين الاستثمار، والارتماء فى أحضان أمريكا، والقطيعة مع العرب بعد زيارة القدس تحت الاحتلال فى 1977، واتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل فى 1978، ثم اتفاقية السلام فى 1979 التى جعلت سيناء منزوعة السلاح منقوصة السيادة، وبداية التطبيع مع العدو الصهيونى والأراضى العربية فى الضفة والجولان مازالت ترزح تحت الاحتلال. ثم استمروا فى السجون طول عهد الرئيس المخلوع صاحب الحلف الدائم مع الولايات المتحدة الأمريكية واستمرار التطبيع مع العدو الصهيونى مادام يقبض الثمن بنهب المال العام هو وأسرته وحاشيته.
واستعملهم فزاعة لتخويف أمريكا. فكانوا هم الذين تحملوا العبء الأكبر فى معارضة نظامه.
بين الإخوان وأمريكا هناك تعارض جوهرى وتناقض جذرى على المستوى الأيديولوجى وتصور العالم. فللإخوان تصور مركزى للعالم. لا يقبل المساومة أو التحالف مع تصورات مركزية أخرى.
فالإسلام آخر الأديان (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). الإنسان خليفة الله فى الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً)، (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ) وهو ما عبر عنه المودودى وسيد قطب باسم الحاكمية. (وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) وفى مرة ثانية (الظَّالِمُونَ)، وفى مرة ثالثة (الْفَاسِقُونَ). فالإخوان ترفض أى سلطة فى العالم غير سلطة الله. وهم الذين يمثلونها.
ولأمريكا أيضا تصور مركزى للعالم. فهى التى تمثل القوة والثروة الأولى فى العالم. لا تقبل إلا سلطانها على الأرض وترفض أى سلطان آخر غير سلطانها.
لذلك انقسم العالم قسمين: المعسكر الرأسمالى بقيادة أمريكا، والمعسكر الاشتراكى بقيادة الاتحاد السوفيتى. وعاش العالم قبل انهيار المعسكر الاشتراكى عصر الاستقطاب ممثلا فى هذه القطبية الثنائية. والإخوان ترى أنه لا فرق بين الرأسمالية والاشتراكية. فكلتاهما نظرة مادية للعالم. تمثلان قطباً واحداً فى مقابل الإسلام كقطب آخر كما حدث أولا فى مواجهة الإسلام إمبراطوريتى الفرس والروم بعد أن ظنت كلتاهما أنهما اقتسمتا العالم قبل أن يخرج الإسلام كقطب جديد يرث القطبين القديمين.
وكلتاهما تستعملان العنف: أمريكا فى العدوان، والإخوان فى الجهاد فى درء العدوان وليس البداية به. كانت أمريكا هى البادئة بالعدوان فى أفغانستان ثم فى العراق وكانت الحركة الإسلامية هى التى بادرت بالدفاع. وكان الاتحاد السوفيتى هو البادئ بالعدوان على الجمهوريات الإسلامية فى أواسط آسيا بعد الثورة الاشتراكية فى 1917 ثم فى أفغانستان فى 1979. وكانت الحركة الإسلامية الممثلة فى طالبان هى التى بدأت بدرء العدوان.
ونفس التناقض الجذرى بين الإسلام والاستعمار هو نفس التناقض الجذرى بين الإسلام والصهيونية حول الخلافة فى الأرض. الإسلام يريد توحيد الأمة (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) والاستعمار بقيادة الولايات المتحدة يريد تجزئتها كما فعل مع دولة الخلافة «الرجل المريض» حتى أسقطها.
العلاقة بين الإخوان وأمريكا إذن هى مثل العلاقة بين الملاك والشيطان، بين الله والطاغوت، بين الإيمان والكفر، بين الإسلام والجاهلية بلغة سيد قطب فى «معالم فى الطريق» الذى مازال يكوّن ذهنية الإخوان دون بديل له لأنه يعبر عن نفسية السجين. والإخوان مازالوا سجناء تاريخهم بالرغم من وصولهم إلى السلطة. فَلِمَ الشائعات التى لا أساس لها حول علاقة الإخوان العلنية أو السرية بأمريكا إلا إذا كان القصد هو تشويه الخصوم، وهو ما تفعله الأنظمة السياسية فى اتهام اليسار بعلاقته بالاتحاد السوفيتى؟ قد يكون القصد هو الإزاحة عن السلطة والإحلال محلها. وهو منطق التكفير والتخوين والفرقة الناجية الواحدة.
هذا ليس دفاعا عن الإخوان بل تبصرة لمزيد من الرؤية. وتذكرة لمزيد من الوعى التاريخى (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.