من أبرز وأخطر ما صاحب الحملات والتهديدات الاسرائيلية للمشروع-الطلب الفلسطيني بالاعتراف بـــ”فلسطين دولة غير عضو” في الامم المتحدة، هو ذلك العداء الامريكي- البريطاني المستحكم للاعتراف بالدولة والحقوق الفلسطينية، بل يكاد أن يصل الذهول من هذا العداء الى درجة الصدمة، وكأن لهاتين الدولتين ثأرا تاريخيا مبيتا ضد الشعب الفلسطيني، وكأن الفلسطينيين-العمالقة في النصوص التوراتية-اقترفوا إبادات جماعية لا تنسى ضد الامريكان والبريطانيين، فغريب عجيب لا يصدق أبدا، هذا العداء السافر الذي لا يرحم، ولا يحترم المواثيق والقرارات الدولية الاممية، التي تقر بحق الفلسطينيين بدولة خاصة بهم، فهؤلاء الذين يجترون الشعارات المتعلقة بالعدالة والحرية وحق الشعوب في تقرير المصير على مدار الساعة، يديرون ظهورهم تماما حينما تتعلق هذه الشعارات والمبادىء بالعرب عامة، وبالشعب الفلسطيني خاصة، وبالدفاع عن الرواية الاسرائيلية على نحو حصري جدا، بل إن هاتين الدولتين تتبنيان الرواية والمطالب والمزاعم والبرامج والاجندات والمشاعر الاسرائيلية بالكامل، وتناصبان العداء المطلق والسافر للمطالب والحقوق العربية – الفلسطينية.
ففي مسألة الدولة الفلسطينية، التي أقرها على أقل تقدير قرار التقسيم، وأيدتها عشرات القرارات اللاحقة، فان الادارات والسياسات الامريكية المتتابعة، تبنت الموقف والسياسات الاسرائيلية بالكامل، فالرئيس الامريكي اوباما الذي يفترض انه يمثل النزاهة والحياد والديمقراطية والحرية وحق تقرير المصير للشعوب المضطهدة والمحتلة/ كما جاء ووثق في خطاباته وأدبياته، يتجاهل كل هذه القيم، ليصطف في خطابه المتأسرل امام امم العالم الى جانب الدولة الصهيونية مع الاحتلال والاستيطان والعنصرية والحروب، واحباط مشاريع التحرر وتقرير المصير للشعب الفلسطيني، فلا تصدق هذه المواقف السافرة التي يتخذها اوباما واركان ادارته ضد حق الفلسطينيين في طلب الاعتراف بدولتهم على أرضهم المحتلة، فتصوروا كيف انتقل اوباما من وعده بإقامة الدولة في ايلول الماضي، الى معارضته بوضوح التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لطلب العضوية الكاملة آنذاك، وغير الكاملة اليوم، مشددا على الالتزام الامريكي الذي”لا يهتز” بأمن اسرائيل، متحدثا بإسهاب عن “المعاناة اليهودية”، متجاهلا عقود المعاناة الفلسطينية تحت الاحتلال، مذكرا ايضا بـ”التهديدات المستمرة” التي تتعرض لها الدولة الصهيونية، منتقلا إلى الحديث عن عملية السلام في الشرق الأوسط، مذكرا بدعوته إلى تحقيق إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، مشددا على قناعته بأن “الفلسطينيين يستحقون دولة”، لكنه يربط ذلك بالمفاوضات العقيمة، مشددا أنه “لا طريق مختصرة لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود، فالسلام لن يأتي عبر التصريحات والقرارات في الامم المتحدة، لو كانت الأمور بهذه السهولة لكان السلام قد تحقق… في النهاية، سيكون على الاسرائيليين والفلسطينيين، لا نحن، أن يتوصلوا إلى اتفاق حول قضايا الخلاف: الحدود، الامن، اللاجئون والقدس”، مختتما بصيغة بوشية توراتية قائلا: “عليكم أن تفهموا التالي أيضا: اسرائيل محاطة بجيران شنوا حروبا متكررة ضدها… أطفال اسرائيل يكبرون وهم يعرفون أن الأطفال الآخرين في المنطقة يتعلمون الحقد عليهم، ان اسرائيل دولة صغيرة، تنظر إلى عالم يهدد فيه قادة دول أكبر بكثير، بمحوها عن الخريطة… الشعب اليهودي يحمل ثقل قرون من النفي والاضطهاد”.
أما عن العداء البريطاني فحدث، فنحن امام نحو قرن واكثر من السياسيات الاستعمارية البريطانية ضد الدول والشعوب والحقوق العربية، وعدم تصويت بريطانيا ضد الاعتراف لا يمنحان براءة، ففي قرار التقسيم كذلك امتنعت المملكة المتحدة عن التصويت، فهناك دَين تاريخي ضخم في ذمة السياسات البريطانية، لا يمكن تصفيته أو نسيانه أو المسامحة به، وإن تقادم عليه الزمن، فمجمل المآسي الكارثية الفلسطينية، هي نتاج السياسات الاستعمارية البريطانية في القرن العشرين، فبريطانيا هي صانعة النكبة الفلسطينية، وهي المسؤولة ماضيا وحاضرا ومستقبلا عن عذابات الفلسطينيين، ورحلة آلامهم التاريخية عبر نحو قرن من الزمن، منذ ما قبل وعد بلفور عام 1917. ألم يكن من الاولى والاجدر والاشرف لهاتين الدولتين، ان تعترفا بخطئهما التاريخي المستمر بالتنكر لحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم، خاصة ونحن في فضاء الذكرى الخامسة والستين لقرار التقسيم الظالم والمجحف جدا، الذي أقر دولة عربية الى جانب الدولة اليهودية في فلسطين العربية، ألم يكن من الاجدر بهما أن يقفا الى جانب هذه الاكثرية الساحقة من الدول والامم التي اعترفت بهذه الدولة الفلسطينية ناقصة العضوية…؟
There are plenty of Americans who, without a shred of antisemitism, are ashamed of Israels’ treatment of the Palestinians and recognize the entire country for what it is — the last vestiges of naked colonialism.