أميركا تواجه اختبار «الثورة المصرية ـ 2»:
هل تسقط في فخّ التمسك بـ«مبارك» مرة أخرى؟
جندي مصري يرفع شارة النصر للمتظاهرين أمام قصر الاتحادية في القاهرة أمس (أ ب)
هيفاء زعيتر
أميركا اليوم في موقف حرج للغاية. لم تكد تنجح في تلميع صورتها إزاء الثورة المصرية الأولى، بعد أن كانت من أشد الداعمين للديكتاتور السابق حسني مبارك، حتى لاحت بشائر الثورة الثانية في الأفق، مهدّدة أميركا بارتكاب الخطأ ذاته مرة أخرى.
في المرة الأولى لم تتمكن أميركا، والغرب معها، من استشراف الثورة لحظة ولادتها، فهل ستقع في الفخ ذاته هذه المرة، مع العلم بأن عواقبه ستكون أكثر خطورة وتعقيداً؟
يُجمع المراقبون على أن مرسي يُعدّ صيداً ثميناً بالنسبة للأميركيين، فهو يحظى بشرعية شعبيّة يؤمنها دينه الإسلامي إلى حدّ بعيد، في وقت يبدو حريصاً على تأمين مصالح أميركا والحفاظ على العلاقات الوديّة مع إسرائيل. من هنا، قد يكون مفهوماً شبه الصمت الأميركي على حجم الاستهزاء المخزي الذي يظهره مرسي إزاء معارضيه في الشارع.
لكن هذا الموقف، وإن كان مفهوماً إلا أنه غير مسموح، وقد يكلّف الغرب غالياً. هذا ما حاول الصحافي في صحيفة «الغارديان» سيمون تيسدال أن يبيّنه قائلاً «صحيح أن سقوط مرسي قد لا يحصل في القريب العاجل، لكن لا شك في أن شرعيته السياسية قد تهشمت إلى حدّ كبير، وشهر العسل الذي عاشه بعد انتخابه مباشرة قد ذهب من دون رجعة»، مضيفاً ان «ما سبق من فقدان مرسي شرعيته، يعتبر خبراً سيئاً بالنسبة لواشنطن وحلفائها، فموقفه في طهران من النظام السوري أفرح واشنطن والغرب، كما يفرحهم واقع أنه صديق لإسرائيل ولـ«الناتو»، وباستطاعته احتواء إيران ولعب دور صانع السلام كما في غزة».
ومع ذلك، بحسب تيسدال، «إن لم تقف أميركا وحلفاؤها للتنديد بموقف مرسي من الأحداث الحالية، تصبح مهددة بتكرار خطئها الفادح ذاته مع مبارك. بل هذه المرة قد يكون الموقف أسوأ وأكثر تعقيداً. فمبارك كان ديكتاتور أميركا، لكن مرسي قد يصبح ديكتاتوراً أكبر من أن تتم السيطرة عليه».
الدعم العسكري لمرسي قائم
لا يقتصر الموقف الأميركي على السكوت على أفعال مرسي فحسب، بل يتعداه إلى الاستمرار في الدعم العسكري لحكومته، على الرغم من اعتداءاته المتكررة على المعارضين المصريين الذين تخطت أعدادهم أولئك الذين نزلوا إلى الشارع لإسقاط مبارك.
يؤكد على ذلك، ما كشفته صحيفة «واشنطن تايمز» حول «الدبابات والمقاتلات التي ما زالت في طريقها من الولايات المتحدة إلى مصر». وهكذا، على الرغم مما يحصل، بقيت العلاقة العسكرية على خط واشنطن ـ القاهرة على خير ما يُرام، على الرغم من كل ما أظهره مرسي من محاولات للاستئثار الكامل بالسلطة.
ويبدو أن واشنطن غير آبهة بما يقوله المحللون عن مخاطر سيطرة «الإخوان المسلمين» على القوى الأمنية، ومحاولة فرض الشريعة الإسلامية التي ستنقلب على رأس أميركا وإسرائيل.
وحتى الآن، بحسب «واشنطن تايمز»، من المفترض أن تتلقى مصر 200 دبابة «أبرامز أم1ايه1»، بالإضافة إلى طائرات مقاتلة «أف 16»، بعد أن كانت الحكومة المصرية قد وقعت عقداً في العام 2010 مع «لوكهيد مارتن» يتضمن الحصول على 20 «أف 16 فالكون» (الصقر المقاتل)، وهي من مقاتلات الجيل الرابع من الشركة مؤهلة للحروب العنيفة. وهذا ما يزيد عددها إلى 240 في مصر.
وقد جعلت المساعدات الأميركية العسكرية لمصر (1,3 مليار دولار سنوياً)، من القوات الجوية للأخيرة رابع أكبر قوة بامتلاك الـ«أف 16» من بين 25 دولة، كما أصبحت سابع أكبر دولة في العالم امتلاكاً للدبابات.
في هذه الأثناء، حذّر أحد صانعي السياسات الدفاعية في أيام ريغان المحلل فرانك غافني من الموقف الأميركي الحالي من مرسي و«الإخوان المسلمين». وقال ان «قلقي الأول هو من استمرار أميركا في تسليح مصر»، في وقت عبّر أحد المتحدثين من البنتاغون عن «جهله التام أو عدم قدرته على تقديم أي ضمانة إزاء مستقبل هذه الأسلحة في يد حكومة مرسي».
يُذكر أنه في العام 2011، أتم البنتاغون اتفاقاً بقيمة 395 مليون دولار لتقديم 125 دبابة زيادة على «أم 1ايه1»، كما قدّم البنتاغون أكثر من 30 طوافة «أباتشي».
مرسي يقمع.. والغطاء أميركا
عند الحديث عن موقف أميركا من مرسي، لا يمكن إغفال ما حصل إبان التنسيق الأميركي ـ المصري بشأن التهدئة في غزة. أظهرت واشنطن الرئيس المصري حينها في ثياب «صانع السلام»، في وقت حُكي الكثير عن ضمانات أميركية واسعة لمرسي تسمح له بإطلاق يده في الداخل.
الأمر الذي سلّط عليه الضوء محللون أميركيون تحدثوا عن لجوء مرسي إلى القمع بعد حصوله على الدعم الكامل من الحكومة الأميركية وحلفائها الأوروبيين.
وهو ما أكدت عليه «نيويورك تايمز» التي أشارت إلى «استثمار» باراك أوباما علاقته مع مرسي بعد أن رأى الأميركيون أن الإسلاميين هم أفضل طبقة حاكمة يمكن أن تقمع «التفاؤل الثوري» للطبقة العاملة، وتدعم حرب أميركا ضد سوريا وإيران.
وكانت «نيويورك تايمز» تابعت عن كثب، أمس، الزيارة التي قام بها مساعدا مرسي لواشنطن، بهدف التحضير لزيارة الأخير لنظيره الأميركي مطلع العام المقبل، كما الترويج لـ«النموذج الديموقراطي» لحكم مصر في العالم العربي.
وكذلك فعلت مجلة «فورين بوليسي» التي تحدثت عن لقاءات المساعدين عصام الحداد وخالد القزاز مع كل من مستشار الأمن القومي توم دونيلون ونائب وزيرة الخارجية بيل بيرنز فضلاً عن أعضاء من الكونغرس مثل جون كيري وجون ماكين وجو ليبرمان.
وفي وقت استعرض كل من الحداد والقزاز الدور المصري «العظيم» في حفظ السلام في الشرق الأوسط، وغزة مثالاً، وبينما حرصا على الحديث عن كيفية توسيع العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، أشارت المجلة إلى شكوك واشنطن العالية إزاء التزام حكومة مرسي بالمبادئ الديموقراطية، خاصة بعدما أصدر مرسى الإعلان الدستوري.
وزعم الحداد والقزاز أن حكومة مرسي تبذل كل ما في وسعها لمنع العنف، وأن المحتجين هم من بدأوا بالعنف، وإلقاء المولوتوف على مقرات حزب «الحرية والعدالة»، في وقت تحدثوا في ما يشبه التهكم الواضح عن أن «ما تشهده مصر من احتجاجات علامة جيدة على التغييرات الديموقراطية التي قدمتها الحكومة».
لكن بحسب المجلة فإن «رسالة وفد مرسي لم تترك أصداء جيدة في واشنطن». من هنا، قد يكون موقف الإدارة الأميركية غير محسوم من مرسي، وهو ما يتحدث عنه البعض بخصوص وجود فجوة حقيقية داخل الإدارة الأميركية، بين من هم على استعداد لتحمل النيات الحسنة من مرسي، وهؤلاء الذين هم على قناعة تامـة بأن قراراته الأخـيرة تثـبت عــدم نيته تنفيذ عملية انتقال ديموقراطي كاملة.
وفي المحصلة، مهما يكن من موقف أميركا اليوم، إلا أن التجربة الأولى أثبتت أن صوت الشارع كان أقوى من أي مصلحة استراتيجية لأميركا مع مبارك، وهو ما دفعها إلى التراجع ولو في وقت متأخر. هذه المرة، وإن لم تقف أميركا مع مرسي حتى النهاية، إلا أن كل يوم تأخير في دعمه سيُحتسب ضدّها.. وقد لا يسامح الثوار في حقهم هذه المرة.
إعداد: هيفاء زعيتر
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.