واشنطن ودستور مصر الجديد
استيقظ عام 2012 على تبعات اقتحام قوات الأمن المصرية مقار منظمات أمريكية قبل بدايته بأيام، وهو ما تسبب فى أخطر أزمة تعرضت لها العلاقات بين واشنطن والقاهرة بعد سقوط النظام المصرى السابق.
وتصاعدت الأزمة بعد صدور قرارات مصرية رسمية بمنع موظفين أمريكيين من السفر بسبب استمرار التحقيقات التى تجريها السلطات مع ممثلى المنظمات الأمريكية العاملة فى مصر. وها هو العام يشرف على الانتهاء على أصداء أزمة الدستور المصرى الجديد، والتى لم تنزعج واشنطن بشأنه كما رغبت وطلبت بعض القوى السياسة المصرية.
•••
انزعجت الادارة الأمريكية بشدة من قرارات الرئيس محمد مرسى التى صدرت يوم 22 من الشهر الماضى فى صورة إعلان دستورى، وتسببت فى أزمة سياسية حادة داخل مصر. إلا أن واشنطن لم تظهر أى انزعاج من عملية كتابة دستور جديد لمصر، رغم كل ما سببه ويسببه من توترات سياسية فى الداخل المصرى.
ترى واشنطن ان إعلان الرئيس محمد مرسى منح نفسه سلطات ديكتاتورية بلا رقيب أو محاسب فى مصر الجديدة، هو عمل يستحق الإدانة القوية. وشهدت أروقة الإدارة الأمريكية وجهات نظر متناقضة بخصوص ما يجب عمله تجاه تطورات عملية الاستفتاء على دستور مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية. إلا أنها تفهمت أيضا صعوبة انتقاد عملية إجراء استفتاء شعبى حر على دستور جديد، وتفهمت صعوبة انتقاد نتائجه النهائية.
وبعد ساعات من الاعلان الرسمى عن نتائج الاستفتاء على الدستور، أصدرت وزارة الخارجية بيانا رسميا حثت فيه كل الاطراف فى مصر على تعزيز التحاور السياسى. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية أن «بلاده تدعم المبادئ الديمقراطية التى تتطلب أكثر من الحصول فقط على أغلبية الأصوات، وتتطلب حماية الحقوق وبناء المؤسسات التى تجعل من الديمقراطية عملية مستمرة وذات معنى».إلا أن أهم ما جاء فى بيان الخارجية الأمريكية كان دعوة «كل الاطراف لإدانة العنف ومنعه».
•••
منذ شهر تقريبا وفور إعلان تفاصيل الاعلان الدستورى، سارعت إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما بإصدار بيان متشدد ذكرت فيه أن القرارات والإعلانات التى صدرت بتاريخ 22 نوفمبر تثير اهتمام الكثير من المصريين والمجتمع الدولى. وأشارت واشنطن إلى أن أحد طموحات الثورة المصرية هو ضمان عدم تركيز السلطة فى يد شخص واحد أو مؤسسة واحدة. وأن الفراغ الدستورى الحالى فى مصر يمكن أن يحل فقط عن طريق إصدار دستور ينص على التوازن بين السلطات والرقابة فيما بينها ويحترم الحريات والحقوق الأساسية للأفراد ويتماشى مع التزامات مصر الدولية.
اختارت الادارة الأمريكية أن تقف بعيدا فى موقف محايد بخصوص الدستور المصرى الجديد، وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن الدستور شأن مصرى.. والمصريون هم من يتخذون القرارات بشأنه. ثم أكد البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تدعم حق الشعب المصرى فى أن يكون له دستور وحكومة يعكسان إرادته، وعبر عن رغبته فى وجود حكومة تعكس إرادة الشعب، وتحترم الأقليات العرقية والدينية، وأن هذه المبادئ هى المنشودة فى مصر.
إلا أن شبه الصمت الكامل من الكونجرس يخرج عن نطاق الممارسات التقليدية للجهة الأكثر نقدا وتشددا مع حكام مصر الجدد من الإسلاميين، ويثير علامات استفهامات كبيرة.
الاعلام الأمريكى من جانبه انقسم بشدة بخصوص الدستور. وكان الاتجاه الغالب مقتنعا أن الدستور سيحظى بتأييد أغلبية الشعب المصرى، إلا أن الاعلام الأمريكى يعتقد أن معركة الدستور لن تكون الأخيرة فى المرحلة الانتقالية التى تعيشها مصر، وستفتح جبهات صراع أخرى فى المستقبل القريب، لأن الدستور، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، كتب على عجل وترك الكثير من القضايا العالقة دون حل. ونصح الكاتب الأمريكى توماس فريدمان الرئيس المصرى محمد مرسى بلعب دور نيلسون مانديلا التوافقى الذى لم يلعبه حتى الآن. ويرى فريدمان أن دولة عمرها أكثر من 5 آلاف عام ليست فى حاجة لتمرير دستور فى وقت سريع. وعبر عن استغرابه من تسرع الجمعية التأسيسية فى وضع الدستور، مشيرا إلى أن التسرع فى وضع الدستور يفقد القوى الإسلامية الكثير من الأصوات.
•••
رغم إدراك حكماء واشنطن أن الاوضاع السياسية التى مرت وتمر بها مصر بعد ما يقرب من عامين على قيام ثورة شعبية أسقطت نظاما ديكتاتوريا عتيدا، ثم وقوعها تحت حكم مجلس عسكرى يفتقد القدرات السياسية الأساسية، إضافة لغياب أى خيال سياسى، قد ساهم بدور كبير فى وضع بذور حالة عدم الاستقرار التى تعانى منها مصر حتى الآن. إلا أنها تجنبت حتى الآن إلقاء اللوم على عدم قيام الرئيس المصرى المنتخب، محمد مرسى، بجهود أكبر للتقريب بين القوى السياسية المنقسمة. واكتفت واشنطن بذكر أن «الرئيس مرسى باعتباره الرئيس المنتخب ديمقراطيا لمصر عليه مسئولية خاصة للمضى قدما بأسلوب يدرك الحاجة الملحة لتجاوز الخلافات».
وتدرك واشنطن تماما حجم هوة الاستقطاب الحاد فى مصر بين القوى الإسلامية من ناحية، وبين بقيه التيارات الأخرى.
وتعرف واشنطن جيدا قيمة وقوة الانتخابات، وكونها هى العماد الأهم لبناء منظومة ديمقراطية مستقرة طالما كانت حرة وعادلة ومتكررة. ولا تمتلك واشنطن ان توجه انتقادات حقيقية للدستور المصرى الجديد بعدما حصل على نسبة موافقه شعبية تعدت الستين بالمائة.
تدرك واشنطن جيدا أن القوى الاسلامية فى مصر وصلت لما وصلت له اليوم من قوة عن طريق صناديق الانتخابات، وتدرك جيدا كذلك أن صناديق الانتخابات هى الطريق الوحيد لإزاحتهم عن سدة الحكم. فهل تفهم القوى المصرية المعارضة لحكم الإسلاميين هذه المعادلة البسيطة والصعبة؟
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.