The Economic Crisis and the Grief of Santa Claus

<--

نشرت العديد من الصحف الأمريكية والأوروبية عن حالة الكساد التي صاحبت أعياد الميلاد في هذا العام، وعن انصراف الأغلبية من المواطنين في هذه البلدان عن شراء هدايا عيد الميلاد التي تكدست في المتاجر في حالة غير مسبوقة، وتشير واحدة من هذه الصحف إلى أنه عيد ميلاد سيبدو لأول مرة بلا ملامح . وقد دفعني ما قرأته في هذا الصدد إلى تخيل حالة “بابا نويل” الرمز الأشهر في هذه المناسبات والمكلف دون غيره أن يطرق الأبواب ليلاً ليتولى توزيع الهدايا الثمينة على الأطفال النائمين من أبناء الأسر الثرية، وتصورت ردود الأفعال التي سيبديها هذا الرمز الجميل وما سيعقبها من ردود أفعال الأطفال الذين اعتادوا أن يجدوا هداياهم بعد أن يصحوا من النوم مباشرة بالقرب من وسائدهم .

وكانت السطور الآتية نتيجة ذلك التخيل الذي لا يكاد يبتعد كثيراً عن الحقيقة المرة التي لم يكن يتوقعها أحد من كبار الاقتصاديين في الغرب الأوروبي والأمريكي، فضلاً عن عامة الناس الذين يثقون بأن اقتصادهم سيظل متيناً وقوياً إلى الأبد، وأنه لن يقترب من الهاوية التي تتحفز لاستقباله . تقول السطور المتخيلة: بعد أن انتظر بابا نويل طويلاً هدايا عيد الميلاد وجد نفسه وحيداً، ولم يتقدم إليه أحد، خاف أن يكون قد حدث للناس شيء ما جعلهم يتناسونه، أو يتذكرون أنه في انتظار تلك الهدايا لكي يقوم بتوزيعها على الأطفال كعادته في هذه المناسبة السعيدة . وقد ظن في البداية أنهم تأخروا في النوم بعد السهرة الطويلة الخاصة بليلة عيد الميلاد . ولما طال انتظاره ولم يجد أحداً يطرق بابه ذهب إلى الأسواق لعله يجدهم هناك مشغولين باختيار الهدايا وإطالة المفاصلة، لكنه فوجئ بما لم يكن يتوقع، فقد رأى الأسواق خالية من الناس في حين كانت المتاجر الكبيرة والصغيرة مفتوحة وعلى واجهاتها الزجاجية ترقد نماذج من الهدايا النفيسة والمبتكرة . كانت الأضواء الملونة والمبهرة تملأ الطرقات لكنها لا تجذب أحداً من الذين اعتادوا أن يتزاحموا عليها في مثل هذه الساعات .

وبالكاد لمح جماعة من الناس في نهاية أحد الأسواق يتناقشون بحدة وبأصوات عالية، عرف من نقاشاتهم تلك أنهم يتحدثون عن الإفلاس الذي ضرب البلاد، وعن عدم قدرة مواطنيها على شراء هدايا عيد الميلاد، وعن حالة التقشف المفروضة بالضرورة . تنهد بابا نويل وكاد يبكي لولا أنه سمع صوتاً من بعيد يقول له: لا تفعل يا بابا نويل هؤلاء لا يستحقون دمعة واحدة من دموع عينيك النبيلتين، فقد مهّدوا للنظام الاستهلاكي وأفسدوا العالم بثرائهم الفاحش، وصنعوا الكثير من المظالم التي تعانيها شعوب كثيرة على هذه الأرض . دعهم يا بابا نويل يذوقون بعضاً مما ذاقته وماتزال تذوقه هذه الشعوب التي لا تجد الخبز إلاّ بصعوبة، ولا تكاد تجد الماء النظيف والسكن المقبول .

ومع الأشعة الأولى من صباح اليوم الأول من العام الجديد صحا الأطفال في مدن الثراء الفاحش على أمل أن يجدوا ما تركه لهم بابا نويل بالقرب من أسرّتهم فلم يجدوا شيئاً، فاعتقدوا لدقائق أن برد الليل القارس قد منعه من الحضور، وأنه سيأتي بعد أن تهدأ موجة البرد الليلية أو تخف، لكن الساعات مرت، والنهار كله انطوى ولم يأت بابا نويل ولا هداياه، وحينئذٍ أدركوا أن بلادهم ليست على ما يرام، وأن بابا نويل يعاني هو الآخر الإفلاس الذي يعانيه آباؤهم ولهذا السبب فقد اختفى وأدركته حالة من الخجل من أن يمر عليهم خاوي الوفاض وهو يقول لهم: عام سعيد يا أبنائي الصغار .

About this publication