Does the World Really Admire American Values and Culture?

<--

بفعل تركيز إدارة بوش الابن على القوة العسكرية واستخدامها المفرط فى حربين: أفغانستان والعراق، بلور عالم السياسة الأمريكى جوزيف ناى عام 2004 مفهومه حول «القوة الناعمة» The soft power وأورد به أنه فى مقابل القوة الصلدة Hard power فإن الولايات المتحدة بحكم قيمها التى تشكل قوتها الناعمة تعودت «أن تكون قادرة على الحصول على ما تريده فى العالم» من خلال القيم المشتركة والثقافة التى تنعكس فى التليفزيون والسينما والموسيقى وبسبب جاذبية سياستها الداخلية، عناصر القوة الناعمة هذه، كما يقول جوزيف ناى، تجعل الشعوب الأخرى حول العالم تبغى أن تتبع الولايات المتحدة و«تعجب بقيمها» وتقلد نموذجها وتتطلع إلى مستوى الرخاء والانفتاح فيها، غير أن مفهوم جوزيف ناى فى «القوة الناعمة» لم يسلم من النقد والتفنيد، ففى كتابه الأخير «The world America made» اعتبر عالم السياسة الأمريكى روبرت كاجان Robert Kagan أن الحقيقة التاريخية أكثر تعقيداً، فخلال العقود الثلاثة بعد الحرب الثانية فإن أجزاء كبيرة من العالم لم تعجب بالولايات المتحدة، ولم تشأ تقليدها ولم تكن بوجه خاص راضية عن إدارة شؤونها الخارجية.

كما كانت المعارك تجرى حول التفرقة العنصرية فى الخمسينيات والستينيات، وفى نهاية الستينيات والسبعينيات جاء اغتيال مارتن لوثر كينج وجون كنيدى ثم فضيحة ووتر جيت التى هزت العالم. كذلك لم يجد معظم العالم السياسة الخارجية الأمريكية جذابة خلال هذه السنوات، ومن الستينيات حتى نهاية الحرب الباردة أصبحت الجمعية العامة للأمم المتحدة منبراً للتعبير الدائم عن المعاداة للولايات المتحدة.

وفى التسعينيات راوغت الشعبية الولايات المتحدة، مما جعل عالم السياسة الأمريكى صامويل هانتجتون يصف أمريكا بـ«القوة الوحيدة» The lonely super power، مكروهة بشكل واسع عبر العالم بسبب «سلوكها المتطفل التدخلى الاستغلالى الأحادى المهيمن والمنافق» وهاجم وزير الخارجية الفرنسى «القوة المفرطة» The hyper power، وتطلع إلى عالم متعدد الأقطاب لا تهيمن فيه الولايات المتحدة. هذا التحليل لمدى تأثير «القوة الناعمة» هو الذى قاد «كاجان» لأن يستخلص أن القوة الناعمة موجودة ولكن من الصعب قياس نفوذها، كما أنه من السهل المبالغة فيها. ومؤخراً وفى كتابه: Strategic Vision America and the crisis ef global power (2012).

يتدخل المفكر الاستراتيجى وعالم السياسة الأمريكى زيجنو برجنسكى فى هذا النقاش، ويطرح سؤالاً جوهرياً بالنسبة لصورة ومستقبل أمريكا وكيف ينظر إليها فى العالم: هل مازال النظام الأمريكى جديراً بالتقليد على المستوى العالمى؟ وهل الجماهير السياسية المستيقظة ترى أمريكا آملاً لمستقبلهم، وهل ينظرون إلى أمريكا كنفوذ إيجابى فى الشؤون العالمية؟ وباعتبار أن قدرة أمريكا فى التأثير على الأحداث الدولية بشكل بناء تعتمد على كيف يرى العالم نظامها الاجتماعى ودورها العالمى، فإنه يتبع هذا أن وضع أمريكا فى العالم سوف ينحدر حتماً إذا نزعت الوقائع السلبية الداخلية والمبادرات الدولية المكروهة الشرعية عن دور أمريكا التاريخى- ولذلك فإن الولايات المتحدة، مع كل قوتها العامة الفريدة، يجب أن تتغلب على تحدياتها الداخلية الصاعقة المنجرفة، وتعيد توجيه سياستها الخارجية من أجل أن تعيد امتلاك إعجاب العالم وأن تحيى تفوقها المنتظم.

فى هذا السياق يسجل برجنسكى ما يسميه «الحلم الأمريكى المشترك» ويراه فى أن أمريكا مازالت تجتذب البشر المدفوعين بشكل أكثر، ليس فقط بين من يمتلكون تعليماً أعلى أو هؤلاء الذين ينشدون هذا التعليم، ولكن أيضاً هؤلاء الأكثر تصميماً على كسر حلقة الفقر فى مجتمعاتهم. ويكرر برجنسكى أن على أمريكا أن تفهم أن قوتها فى الخارج سوف تعتمد بشكل متزايد على قدرتها على مواجهة المشكلات فى الداخل، فالقرارات القومية المعتمدة على ما يطلق عليه التحسينات النظامية هى الآن الشرط الأول الضرورى لأى تقييم معقول لمستقبل أمريكا العالمى، وهذا يتطلب تحديداً معرفة مصادر ضعف وقوة أمريكا العالمية، وعلى هذا التقييم- بعقل بارد- تكون نقطة الانطلاق للإصلاحات الضرورية لكى تحافظ أمريكا على مركزها فى القيادة العالمية، فى الوقت الذى نحافظ فيه على القيم الأساسية لنظامها الداخلى.

* المدير التنفيذى للمجلس المصرى للشؤون الخارجية

About this publication