تحالف الطغيان والإرهاب
سمير كرم
لم يسبق أن كان التنسيق الإستراتيجي بمثل ما هو عليه الآن من اتساع وعمق بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية.
ان الحليفان التقليديان لم يعودا معنيين فقط بالإبقاء على النظام السعودي وحمايته من التيارات المهاجمة التي تجتاح المنطقة، وهو ما كان عليه الحال في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، إنهما أصبحا في الفترة الأخيرة معنيين بمهاجمة القوى التي تشكل، بمجرد وجودها، تهديداً للنظام السعودي وللسياسات والمصالح الاميركية الاقتصادية والعسكرية. الأمر الذي يعني بصورة مباشرة وجود وتوسع الدولة الصهيونية وهيمنتها على المنطقة المحيطة بها.
إننا نعيش حقبة التحالف بين الطغيان والإرهاب. ذلك ان القوة العظمى المتمثلة في الولايات المتحدة، والقوة الإقليمية الخليجية المتمثلة في المملكة السعودية ومركزها القوي في منطقة الخليج، لا تكتفيان بالتحالف القائم بينهما، بل إنهما دخلتا في مرحلة جديدة بدأت مع ما يسمى الآن بـ«الربيع العربي». وتتسم بتحالف جديد بينهما وبين المنظمات الإرهابية المسلحة في المنطقة. وقد يميل بعضهم الى رؤية هذا التحالف بين طغيان الحكم السعودي والهيمنة الاميركية من ناحية، والمنظمات الإرهابية المسلحة من جهة اخرى، من زاوية كونها تكراراً لتجربة أقامتها الولايات المتحدة في مرحلة سابقة، تحالفت خلالها مع تنظيم «القاعدة» الإرهابي المسلح في سبعينيات القرن العشرين في أفغانستان، عندما كان الهدف الاميركي «تحرير» أفغانستان من الوجود العسكري السوفياتي. وكان ذلك تحالفاً موقتاً لم يلبث ان انقلب الى عداء صريح عندما حل الوجود العسكري الاميركي في ذلك البلد محل الوجود العسكري السوفياتي. وتحولت القوة العسكرية الاميركية من مهمة مساندة «القاعدة» الى مهمة محاربة هذا التنظيم، وامتدت الحرب الاميركية ضد «القاعدة» حيثما امتد وجود هذا التنظيم في الشرق الأوسط وأفريقيا.
[[[
ربما تكون فكرة التحالف مع «القاعدة» هي فكرة القادة السعوديين، اكثر مما هي فكرة القادة الاميركيين، إنما الواضح الآن أن التحالف اصبح قائماً بين السعودية وأميركا وتنظيم «القاعدة»، وعدد من التنظيمات الارهابية المسلحة التي تنتهج سبل «القاعدة» القتالية والسياسية على السواء. والحقيقة الواضحة، بغض النظر عن هذا التفسير، هي أن التحالف بين الطغيان السعودي – الاميركي والإرهاب المسلح يفرض نفسه الآن في المنطقة ككل، بصرف النظر عن استمرار القتال بين العسكريين الاميركيين والتنظيم الإرهابي الكبير نفسه في أفغانستان. ربما يكشف هذا الواقع عن تناقض. لكن هذا التناقض لا يخفي رغبة الولايات المتحدة ولا رغبة المملكة السعودية في محاربة التغيير في المنطقة بكل الوسائل وبأغلى التضحيات المادية.
في هذا التحالف الجـديد بين الطغـيان والإرهاب تقوم المملكة السعودية بإمداد التنظيمات الإرهابية بالإموال والسلاح، بينما تقوم القيادة العسكرية الاميركية بدور التخطيط لهجمات هذه التنظيمات حيثما كانت. ولعل الأمر الجدير بالملاحظة في هذا الصدد ان كلا هذين الطرفين ـ المملكة السعودية والقيادة العسكرية الاميركية ـ لا يخفيان دوريهما. إنما تجاهر السعودية وتجاهر الولايات المتحدة بهذين الدورين في ظل موافقة شبه إجماعية من النظم الحاكمة في المنطقة على هذا الأداء، وبطبيعة الحال على أهدافه.
لقد ادى هذا التحالف بين الطغيان والإرهاب دوره في ليبيا، وبعد ذلك نراه يؤدي هذا الدور على نطاق اوسع وأكثر شراسة ودموية في سوريا. وربما نتساءل ـ كما يتساءل المواطن العربي حيثما كان ـ اذا كان هذا التحالف سيقترب من أداء دوره أيضاً في اليمن والأردن، وربما في مصر بعد ذلك، إذا لم تكـشف الظـروف في هذه البلـدان عن اتجـاه صوب الرضـوخ لهذا التـحالف السعودي ـ الاميركي. وعلى أي الأحوال، فإن ميل السعودية لأن تخرج من السياق السابق لسياساتها الخارجية، الذي كانت تسير فيه في طريق مناهضة إسرائيل نحو الخروج من هذا السياق وإظهار كل ما من شأنه أن يعطي انطباعاً ـ على الأقل ـ بأن السعودية هي خارج مجموعة تأييد المقاومة ضد إسرائيل وفي داخل مجموعة التطلع الى سلام مع إسرائيل، سواء كان سلاماً رسمياً أم سلاماً بالإحجام عن مهاجمة إسرائيل وسياساتها، ومن باب أولى الإحجام عن مهاجمة سياسة الولايات المتحدة الموالية لإسرائيل على طول الخط، وبصرف النظر عن أية تغيرات تطرأ على السياسة الاميركية الخارجية. ذلك أن السعودية تميل الى التسليم الآن بأن السياسة الاميركية تجاه إسرائيل هي سياسة لا يمكن معارضتها، فضلاً عن مقاومتها.
[[[
التعاون بين المملكة السعودية والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة مع بزوغ ظاهرة «الربيع العربي». وتتميز هذه المرحلة بتمكين المملكة السعودية من إحكام هيمنتها على منطقة الخليج وإظهار مستوى من التحدي تجاه إيران، يفوق بالفعل قدرات السعودية العسكرية والإستراتيجية بشكل عام، ولكنه يكشف عن حلول التحدي السعودي لإيران محل التحدي الإسرائيلي تجاهها. ويبدو جلياً أن الاقتراب السعودي من إسرائيل، ككيان وكدور في المنطقة، يقرّب المملكة السعودية أكثر فأكثر من الولايات المتحدة. وقد نميل الى الاعتقاد بأن التحالف بين الطغيان السعودي ـ الاميركي والإرهاب، هو انعكاس لهذا التقارب مع إسرائيل. ولكن الحقيقة ـ كما تبدو واضحة ـ تدل على أن التقارب مع إسرائيل هو انعكاس للتحالف الاميركي السعودي، تحالف الطغيان والإرهاب. لقد بلغ هذا التقارب ذروة لم يبلغها من قبل الى حد أن صحافياً إسرائيلياً- أميركياً، هو لاري لانداو، كتب عن «المستوى المذهل الذي وصل اليه التعاون السعودي – الإسرائيلي» معتمداً فيما كتب على كتابات صحافيين سعوديين في الصحافة السعودية الناطقة باللغة الانكليزية (…).
والأمر الذي لا شك فيه ان السياسات السعودية الجديدة تكلف الممـلكة مـادياً الكثير من النفقات، بل إنه اضـطرها الى التدخل العسـكري المـباشر، حتى لقد ارسلت قوات سـعودية الى البـحرين لمواجهة موجة ثورية فيها ضد الظلم القائم، لتساند النظام الملكي هناك بزعم مواجهة الخطر الإيراني. وفي هذا الإطار نفسه وجدت المملكة السعودية طريقها الى الحصول على مكانة شريك رئيسي غير عضو في حلف الاطلسي. وهي تشترك بقواتها وأسلحتها في مناورات الحلف التي تجري في نطاق «الشرق الأوسط/الخليج». الأمر الذي مكّن القوات السعودية ان تلعب دوراً مع حلف الاطلسي في أحداث ليبيا في العام المنصرم.
[[[
ولا يخفي قيام المملكة السعودية بهذه الأدوار العسكرية وغير العسكرية في المنطقة قلق الولايات المتحدة وقلق حليفتها الرئيسة في الخليج من تطورات الداخل السعودي. وإذا كانت هذه التطورات ـ او بالأحرى الانتكاسات ـ التي تتربص بالسعودية تغيب عن الصحافة السعودية، بما فيها تلك التي تصدر باللغة الانكليزية، فإن الصحافة الاميركية لا تظهر فيها أية قيود من أي نوع، ولو على سبيل المجاملة للمملكة الحليف الرئيسي لأميركا في الشرق الاوسط، والمصدر الأكبر لإمدادات النفط للولايات المتحدة. فبينما يغيب اي حديث عن ازمات السعودية الداخلية عن الصحافة العربية، فإن الصحافة الاميركية تنشر تفصيلات ازمة الخلافة على العرش السعودي في ضوء تدهور صحة الملك عبدالله (البالغ من العمر تسعين عاماً)، والتدهور الموازي في صحة ولي العهد الامير سلمان (البالغ من العمر سبعة وسبعين عاماً)، وخاصة إصابته بمرض في الدماغ يؤثر على قدراته العقلية. وقد رشحت دوائر اميركية معنية بمشكلة الخلافة على العرش السعودي الأمير محمد بن نايف وهو من جيل ثان أصغر من أمراء المملكة لتولي العرش. وتضع واشنطن كل ثقلها السياسي في المملكة وراء تولية هذا الأمير منصب ولي العهد ليصبح ملك السعودية المقبل ضماناً للاستقرار في المملكة. ويعني تعبير الاستقرار في هذا السياق ضمان التزام المملكة السعودية بتحالفها مع الولايات المتحدة كموقع إستراتيجي وكمصدر لا يُنازع للنفط الى اميركا.
وقد التزمت الولايات المتحدة الصمت إزاءمشكلة البحرين، وبصفة خاصة إزاء التدخل في البحرين من جانب قوات المملكة السعودية فيها. وهنا لا بد من التذكير بأن الولايات المتحدة تحـتفظ في البحرين بأكبر قاعدة عسكـرية لها في منـطقة الخـليج. ويبدو ان واشنطن لم تر حتى الآن مبرراً لتذكير العالم الخارجي بهذه الحقيقة في مواجهة اضطرابات البحرين والتدخل السعودي المباشر فيها. وقد نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية (في 10/1/2013)، عن السفير الأميركي الحالي في الرياض جيمس سميث قوله إن للعلاقات الأميركية ـ السعودية «ثلاثة أعمدة هي الأمن النفطي، والاستقرار، ومكافحة الإرهاب». وأضاف السفير سميث «إن الضغط بشأن حقوق الإنسان والتغير السياسي لم يؤد إلى نتيجة».
كذلك لم تخف الصحافة الامـيركية الحـقائق المتعلقة بانتشار ظاهرة الفقر في المملـكة السـعودية في الوقت الحاضر، «في بـلد يملك ثروة واسعة من النفط وأرصدة مذهلة، يعيش ما يقدر بربع السعوديين تحت خط الفقر… إن ملايين السعوديين يصارعون على حواف واحد من اقوى الاقتصادات في العالم حيث فشلت الوظائف وبرامج الرفاهية في ان تحافظ على المستوى من اجل السكان الذين ارتفع تعدادهم من ستة ملايين في العام 1970 الى 28 مليوناً اليوم».
إن بانتظار الشعوب العربية مستقبلا مفعماً بالنضال والصراع ضد التحالف الجديد بين الطغيان والإرهاب .. ضد السيطرة الخارجية الاميركية والسيطرة الداخلية السعودية. فالأمر المؤكد ان هذا التحالف لا يستطيع ان يعيش طويلاً.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.