The American Model: Between Hard Power and Soft Power

<--

النموذج الأميركي بين القوتين الصلبة والناعمة

إضاءات

الاثنين 24-12-2012

د.خلف علي المفتاح

درج خلال السنوات القليلة الماضية استخدام مصطلح القوة الناعمة عند الحديث عن طريقة إدارة العلاقات الدولية بما فيها طرق إدارة الصراع وفي البحث عما يمكن تسميته ولادة المصطلح لا بد من العودة للباحث والاستراتيجي الأميركي جوزيف ناي

الذي ميز بين ثلاثة أشكال من القوة هي القوة الصلبة والقوة الناعمة والقوة الذكية. فالقوة الصلبة يقصد بها بشكل أساسي القوة العسكرية وكل ما يرتبط ويتعلق بها من عناصر تتوجه بشكل أساسي نحو إحداث آثار مباشرة مادية وبشرية بالخصم. أما القوة الناعمة فهي تلك التي تتركز بشكل أساسي على العناصر الثقافية والأخلاقية والعلمية والاقتصادية القادرة على إحداث تأثير في الآخر عبر سحر النموذج، تجعل مصدرها أكثر جاذبية وقبولاًَ، بمعنى أن القوة الناعمة تؤثر بشكل أساسي في ثقافة وتفكير وسلوك المستهدفين، أما القوة الذكية فهي حالة وسط بين القوتين الصلبة والناعمة، أي التجسيد العملي لمقولة روزفلت تكلم برفق واحمل عصا غليظة.‏

إن الحديث عن جوزيف ناي لا يلغي حقيقة أن الرئيس الأميركي تيودور روزفلت قد أشار إلى أهيمتها منذ نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي عندما شكل هيئة أميركية تتركز أهدافها في نشر الثقافة الأميركية والنموذج الأميركي عموماً عبر السينما ووسائل الإعلام، وعلى أثرها كان إطلاق إذاعة صوت أميركا وإحداث جمعية الحريات الثقافية وغيرها من وسائل تعمل على تسويق الثقافة الأميركية والنموذج الأميركي في الحياة والممارسة السياسية ولا سيما مفهوم الديمقراطية.‏

إن انتهاج الولايات المتحدة الأميركية سياسات خارجية تعتمد القوة الصلبة بشقيها العسكري والاقتصادي، قرئ عند الكثير من الاستراتيجيين ومراكز الأبحاث الأميركية على أنه تصميم خاطئ للسياسة الخارجية الأميركية، أساء لصورتها لدى الكثير من شعوب العالم التي أصبحت ترى في أميركا نموذجاً جديداً وشكلاً من أشكال إعادة إنتاج مفهوم الهيمنة والاستعمار بأدوات جديدة، ما ساهم بتشكيل صورة نمطية سلبية في المتخيل الجمعي العالمي تجاهها.‏

إن الحديث عن القوة الصلبة أو الناعمة لا يلغي حقيقة أن المرتكز الأساسي في الاستراتيجية الخارجية الأميركية لا يزال يعتمد منطق القوة العسكرية والاقتصادية في هيمنتها على السياسة العالمية وهنا يبدو الحديث عن أولوية وأهمية القوة الناعمة سياقاً آخر ورديفاً يجري استخدامه عند الضرورة ومقتضى الحاجة ولاسيما إن كانت الكلفة البشرية والمادية لاستخدام القوة الصلبة باهظة الثمن ولا طاقة للإمبراطورية الأميركية على تحمل تبعاتها الداخلية والخارجية في ظل تنامي حالة عداء وكراهية غير مسبوقة تجاهها عند أكثر شعوب العالم وخاصة بعد غزوتي العراق وأفغانستان وغيرهما من مغامرات المجمع السياسي والعسكري والاقتصادي الأميركي.‏

إن حديث الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد تنصيبه رئيساً‏

للولايات المتحدة الأميركية عام 2009 عن أهمية إعادة الحياة لما أطلق عليه القيم الأميركية ومبادئ الحرية وحق تقرير المصير وهي في جوهرها مبادئ ولسن قرئت عند الكثير من مراكز الدراسات والبحث والمهتمين بالشؤون الاستراتيجية على أنها نهج جديد في التعاطي الأميركي في عالم ما بعد سقوط نظام القطبية الأحادية وسيادة النموذج الأميركي الذي نظر ووطأ له كل من فرانسيس فوكاياما وصموئيل هاتنغتون وليو شتراوس وغيرهم.‏

وانطلاقاً من ذلك درجت المنظمات غير الحكومية الأميركية وبالتنسيق مع وزارة الخارجية الأميركية والمخابرات المركزية بالترويج لنهج أميركي جديد يستثمر في فائض القوة الأميركية إعلامياً وثقافياً واقتصادياً أو ما يطلق عليه الرصيد الأخلاقي للأمة الأميركية وعبر حملة علاقات عامة تتلخص في إعانات اقتصادية وتمويل لما سمي منظمات المجتمع المدني وبعثات علمية ومنح دراسية في الجامعات الأميركية، واستقطاب كوادر سياسية وفنية وإعلامية وغيرها برحلات اطلاعية تجول في طول الولايات الأميركية وعرضها للاطلاع على النموذج الأميركي من الداخل والوقوف على حقيقة الحياة الأميركية وهنا تتحول الصورة بالإعجاب بسحر النموذج ليكون في ذلك تغيير في الصورة النمطية السلبية التي كرسها نهج القوة الصلبة الذي مارسته الإدارات الأميركية المتعاقبة، وهو ما يكفي للإجابة عن السؤال الإشكالي الذي طرحته المؤسسات الثقافية والإعلامية وبعض القوى المجتمعية منذ ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وهو لماذا يكرهوننا؟ في إشارة واضحة لنظرة أكثر شعوب العالم لصورة أميركا.‏

لقد وجه الكثير من الباحثين الأميركيين وغيرهم من دول العالم انتقادات حادة لنهج القوة الذي مازالت تمارسه الإدارة الأميركية في تحديد أولوياتها في رسم سياسات جديدة لا تنسجم مع ما أطلقه الرئيس أوباما فيما يتعلق بتغيير الأدوات السياسية في التعاطي مع دول العالم من خلال معطيات حقيقية، تعكسها أرقام الموازنة الأميركية، ففي حين يخصص مبلغ ستة وثلاثين مليار دولار لوزارة الخارجية الأميركية فإن موازنة وزارة الدفاع الأميركية تزيد على سبعمئة وخمسين مليارا من الدولارات، وهو ما يتجاوز ما تخصصه أكثر من نصف دول العالم من موازنات لنفقاتها العسكرية.‏

هذه الأرقام وما تشهده الساحة السياسية العالمية من نهج عسكرة أميركي لا يشكل الانطباع بأن ثمة تحولاً جوهرياً في طريقة التعاطي الأميركي مع الشأن العالمي، وهنا تبدو صورة أميركا عند أكثر شعوب العالم متجسدة حتى الآن بسجن غوانتانامو وليس بتمثال الحرية في نيويورك؟‏

About this publication