[right][rtl]
أميركا والنفط العربي!
ترجح تقديرات رسمية أعلنها الرئيس باراك أوباما أن أميركا ستكون عام 2015 بلدا مصدرا للطاقة من نفط وغاز، ولن تستورد بعد هذا التاريخ القريب هاتين المادتين من السوق الدولية عموما والعربية خصوصا، وأن هذا الانقلاب الطاقي سيقلب سياسات الولايات المتحدة تجاه منطقتنا رأسا على عقب، وسيجعلها منطقة هامشية الأهمية بالنسبة لاستراتيجيات واشنطن الدولية، التي ستقلل حتما من اهتمامها بها، وقد تغريها بتصفية وجودها داخلها أو حولها، لأن اكتفاءها الطاقي سيحررها من الالتزام بوجود عسكري ودبلوماسي كاسح في بلداننا العربية، مع ما سيترتب على ذلك من تغير في أولوياتها وصداقاتها وخصوماتها، ومن توجه نحو مناطق أخرى.. ولا شك في أن المحيط الهادي ومنطقته الشاسعة والغنية بالتجارة والمصالح المتشابكة ستكون البديل المؤكد لمنطقتنا الذاهبة إلى ظلام يشبه ما سبق لها أن عرفته بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، وقبل شق قناة السويس، وأدى إلى انزوائها بعيدا عن خطوط التجارة الدولية، وتسبب في موجة إفقار ضربتها انخفض معها عدد سكانها انخفاضا ملموسا، تهاوت معه زراعاتها وصناعاتها، وتراجع دورها الحضـــــاري والسياسي، إلى أن دخلت في ليل اقتصادي واســـــــتراتيجي دامس، لم تخرج منه بصـــــــورة تــــــامة إلى أيامنا.
هذه النبوءة، التي يقدر خبراء عديدون أنها ستنجم عن استقلال أميركا الطاقي وتحولها إلى مصدر للنفط والغاز، لن تتحقق في اعتقادي، لاعتبارات كثيرة ألخص أهمها في ما يلي:
– موقع العالم العربي الاستراتيجي بين قارات العالم، وقربه من طرق الوصول إلى المحيط الهادي، وما فيه من ممرات بحرية استراتيجية الأهمية بالنسبة إلى مجمل التجارة الدولية وخطوط نقل النفط إلى مختلف مناطق العالم.
– الحجم الهائل لموارد دول النفط العربية المالية، التي تلعب اليوم وستلعب غدا دورا حاسما في استقرار الاقتصاد الدولي عامة والأميركي خاصة، في ظل تزايد مديونية أميركا للخارج وحاجتها إلى الرساميل، ولأن الاقتصاد الأميركي يقوم في جزء كبير منه على موارد خارجية يجب أن تبقى تحت يد أميركا أو متاحة لها، مع ما يقتضيه ذلك من استعداد للحصول عليها بشتى الطرق، وحتى العسكرية منها، مما سيلزم واشنطن بإبقاء قواتها قريبة من هذه الموارد.
– نمط النظام الدولي، القائم على الدفاع عن القطبية الأميركية المهيمنة أمنيا واقتصاديا على معظم مناطق العالم الاستراتيجية، ووجود يانكي منتشر في معظم مفاصل الكون الحيوية برا وبحرا وجوا، مع ما تقتضيه الهيمنة من تحكم واضح المعالم بالبحار المفتوحة ومناطق الفصل والوصل بين أحواض الطاقة الكبرى في العالم العربي والمناطق الإسلامية من الاتحاد السوفياتي السابق، ومن إقامة نظم أمنية متكاملة ومندمجة من شأنها احتواء المخاطر المحتملة والفعلية، والرد السريع على كل ما يهز استمرار سيطرة واشنطن على مجالات واسعة من الكرة الأرضية، بما في ذلك الترتيبات التي تتخذها دول تملك موارد يؤثر استقلالها على قوة أميركا الكونية الشاملة.
هذه الناحية من الهيمنة لن تتراجع مع اكتشاف النفط الأميركي بل ستتعاظم، ولن تتطلب تقييد قدرة واشنطن على التدخل في كل مكان، أو على وجودها في المفاصل الحاكمة من العالم، التي تمر بين وسط وشرق أوروبا وروسيا، وبين روسيا والصين، وبين الصين وبقية بلدان آسيا الشرقية، لكنها تحتم وجود قدرات أميركية وازنة في البلقان وتركيا والعراق والجمهوريات الإسلامية التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي السابق، وصولا إلى أفغانستان، مع ما يعنيه دحر النظام الإيراني من توسع الوجود الأميركي على هذا المحور، علما بأن جيش أميركا فعل المستحيل لاحتلال موقع مؤثر ومفتاحي فيه منذ تسعينات القرن الماضي، بسبب قيام إسرائيل فيه ودورها المباشر في تقرير مصيره، وما تخوضانه فيه من صراعات تستهدف إخضاعه في حمأة التنافس الدولي.
– نمط الاقتصاد الدولي القائم على التجارة المفتوحة وذات الموارد المتاحة بلا قيود لأميركا، لما لذلك من أهمية استراتيجية سياسية وعسكرية تنبثق من سياسات لها قرنان من العمر، ترى أن نفوذ أميركا الدولي يرتبط بنمط التجارة الدولية، التي يجب أن تكون مفتوحة وخالية من أي حماية وطنية أو قيود تفرضها بقية دول العالم عليها.
ومن يتأمل تنمية وتطوير الصين سيرى كم أدى إلى تنمية التجارة الدولية وتعظيم الفارق الكمي والنوعي بين أميركا وغيرها من البلدان وكم خدمها تقدم المحيط الهادي لاحتلال الموقع الأول في التبادل الدولي: السلعي منه والرأسمالي.
تنشر أميركا شبكة علاقات مجردة تتضمن نقاط ثقل فاعلة تحول دون خروج أحد من دائرة مصالحها كمستفيد أول من أي نمو أو تقدم يتم في أي مكان. هذه الشبكة لن تتسامح أميركا في إخراج النفط العربي منها، لكونه مادة تجارية أولا وجالبة رساميل ثانيا ومؤثرة على مكانة مالكيها في مجمل العلاقات الدولية ثالثا، وقادرة على منح أصحابها شيئا من استقلالية الإرادة والقرار رابعا، وهذه كلها ممنوعات وخطوط حمر أميركية لا يجوز ولا يحق لأحد انتهاكها هنا، أو الاقتراب منها هناك.
– التنافس الدولي المتنوع والمتشعب الذي سينشب حتما على ثروات العرب ونفطهم، في حال تخلت أميركا عنهما، وما سيفضي إليه ذلك من تبدل في علاقات القوى الاقتصادية العالمية وأثقال مراكزها الكبرى. لنتخيل للحظة أن الصين استأثرت بمعظم نفط العرب ومالهم، أي تأثير سيكون لذلك على دورها في الاقتصاد العالمي، وكم سيسهم في احتلالهــــــا الموقع الأول منه؟.. ويقــــــــدر اليوم أن وصولها إليه سيســـــتغرق ما بين 30 و50 عاما، ســـــيبقى خلالها الاقتصاد الأميركي أكبر اقتصادات العالم.
هذه بعض العوامل التي يرجح كثيرا أن تحد من استقلال أميركا طاقيا عن النفط العربي، والتي تتجاوز مسألة الطاقة، التي لا يجوز أن نرى علاقات أميركا المستقبلية مع العرب في ضوئها وحدها، لكونها أكثر تشعبا وتعقيدا بكثير من أن تفسر بالنفط دون غيره.
لا يعني ما تقدم تجاهل الآثار التي ستنجم عن دخول أميركا كمصدر إلى السوق الدولية، وما سينجم عنه من تعقيدات وملابسات لا بد أن تخضع لدراسات خبيرة، وتعقد حولها مؤتمرات متخصصة تكشف منطويات هذا التطور الفائق الأهمية، قبل أن يباغتنا بما لا نتوقع ونريد، ونقترف أخطاء لا شك في أنها ستكون مصيرية هذه المرة بالنسبة لنا، لما للطاقة وعوائدها من أهمية لاستقرار دولنا ونمو مجتمعاتنا!
[/rtl][/right]
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.