Farewell, Hillary

<--

امتثلت هيلاري كلينتون (65 عاما) لأَطبائها، بعدم الاكتفاءِ بالعدسات اللاصقة على عينيْها، واستخدام النظارات الطبية التي ظهرت بها بعد خروجِها من المستشفى، وقد عولجت من جلطة دماغية.وبحسبِهم، فإنها نظارات خاصة، “لتصحيح ازدواجية الرؤية” لدى الوزيرة الأَميركية الشقراء، والتي استخدمت نظاراتٍ متعددةَ الطبقات في صباها، وفي أثناءِ دراستها الجامعية الأولى في أَلينوي، إِبان كانت جمهورية الهوى وذات نزوعٍ يمينيٍّ محافظ، حتى قدومِها إِلى واشنطن ودراستها في جامعة ييل، وتعرّفها إلى زميلها بيل كلينتون، فأَصبحت ديمقراطيّة الهوى بميولٍ ليبرالية. وأَنْ يُبصر أَهل الخارجية الأَميركية جيداً، فذلك لا يعني أَنَّ بصيرتَهم سديدةٌ في الحسابات والرهانات، وإِنْ يمكنُ، نادراً، الأَخذ والعطاء، مع تصوراتٍ يحدُث أَنْ يطرحوها، تقتربُ، أَحياناً، من الصحيح. وهذه هيلاري لم تُجانب الصواب، في آخر إِطلالاتها أَمام الكونغرس، الأَربعاء الماضي، في قولها إِنَّ قادةً “ليست لديهم خبرةٌ في إِدارة الدول وإِقرار الأمن وتحقيق الديمقراطية” تولوا السلطة في بلدان الربيع العربي في شمال أفريقيا. وفي تأْشيرها إِلى أَنَّ الثوراتِ العربية أَربكت ديناميّات السلطة وأَدت إِلى غياب الأمن وزيادة التطرف. ولا يعني التسليم، إِلى حدٍّ ما، مع هذا التشخيص، موقفاً مضاداً للمسار الذي يعبر إِليه العرب في ثوراتِهم المستجدّة.

كلام السيدة هيلاري كلينتون شاهدٌ مضافٌ على ضعفِ حماس الولايات المتحدة تجاه انعطافاتٍ، واعدة، في غير بلدٍ عربي، والأَهم فيه أَنه يدلُّ على يقظةِ الوزيرة المثابرة، وانتصارها على المرض، وإِنْ ظهرت أَقلَّ وزناً مما كانت، ومن ذلك أَنَّ العصبية التي ردَّت فيها على السناتور جون ماكين تؤكد حرصَها على صورةٍ طيبةٍ لها أَمام الرأي العام في بلدها، وذلك لما اتّهم المذكور إِدارة باراك أوباما بتضليل الأميركيين بشأن حادث مقتل السفير في ليبيا، وهو حادثٌ أَقرَّت هيلاري، بشجاعةٍ، بمسؤوليةٍ عليها عنه. …

لا نتذكَّر أَنَّ شيئاً من العصبية ظهرت فيه مدام كلينتون في غضون زوبعةِ انكشافِ العلاقةِ الحميمةِ بين زوجها، رئيس الولايات المتحدة في حينه، والآنسة مونيكا لوينسكي في البيت الأَبيض. وفي محلِّه أَنْيُقال إِنَّ رباطة جأش السيدة الأميركية الأولى في تلك الأيام، وكذا عدم طلبِها الطلاق، كانا لفائدةِ حساباتها، وهي الطموحةُ والذكيةُ منذ يفاعتها، وقد تطلعت، آنئذٍ، إِلى أَن يصير بيل كلينتون زوجَ رئيسة البلاد، فكانت، لاحقاً، محاولتها الترشح للرئاسة، والتي أَخفقت في الحزب الديمقراطي لصالح أوباما الذي عرفَ كيف يستثمر إِمكانات غريمته، فصارت وزيرةً للخارجية أَربع سنوات، زارت فيها 110 دولة، وقطعت أكثر من مليون ميل.

ستغيبُ السيدة الأميركية الأَنيقة عن الشاشات قدامنا، وغالباُ ما لم يبعث ظهورُها على الحنق والتوتر (لنتذكر أولبرايت وكوندوليزا رايس؟)، مع بديهيّة أَنَّ التزام الولايات المتحدة بأَمن إِسرائيل صلبٌ كالصخر، على ما أَوضحت مرّةً. ستغادر المحاميةُ القديمة رئاسةَ الدبلوماسية الأًميركية، وقد تعافت من “ازدواج الرؤية” في عينيْها، غير أَنها قد تُفاجئنا في موقعٍ أَميركيٍّ أَو دوليٍّ آخر مرموق، وقد شاع أَنَّ أوباما قد يرشحها أَميناً عاماً للأمم المتحدة، وراج أَنها قد تفعلها وتحاول، ثانيةً، الإقامة في البيت الأبيض رئيسةً. نودعها، هنا، بعد أُلفةٍ غير قصيرة، مثقلةٍ بقصور البصيرةِ الأَميركية في غير شأنٍ يخصُّنا، نحن العرب والعالم ثالثيين، وعلى ما كانت عليه من نشاط، لن نتذكَّر للسيدة كلينتون أَثراً بارزاً واستثنائياً. ولكن، مع السلامة على كل حال.

About this publication