Anglo-American Fingerprints on the Walls of the Nazi Holocaust

<--

للتاريخ اليهودي صفات مميزة خاصة به، فهو لا يسير على نسق متصل، بل يبدو كبقع معتمة متناثرة وغير مترابطة على صحيفة الزمن، والامر الثاني هو ان المؤرخين اليهود يركزون على ابراز الاحداث المؤلمة والمصائب التي تنزل بهم وكأنهم يفخرون بما أصابهم من نكبات وهزائم.

شاعت في منتصف القرن العشرين اكذوبة دبلوماسية كبرى، هي ان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين (29/11/1947) ، كان الهدف منه هو حلّ المشكلة اليهودية، التي كانت مشكلة الحياة والموت في معظم فترات التاريخ اليهودي، لاسباب مختلفة في معظمها اقتصادية ملتفعة بالدين.

ففي منتصف الألف الرابع ق.م وما تلاه كان الاسرائيليون يرعون أغنامهم في مناطق شبه قاحلة في جنوب سيناء، ويعتقد بأن موسى يرجع في اصله الى هذه الجماعات،ويدعون ان ابراهيم واسحق ويعقوب اجدادهم، اما كل ما نعرفه عن هذه القبائل انها جيل بعد آخر كانت تعاني من شظف العيش في الصحراء، فتكثر فيما بينها المشاجرات، وتحارب بعضها البعض احياناً.

ظلت هذه القبائل تتجول في الصحراء لمئات السنين، وفي بعض الاحيان كانت تحملق في ارض اللبن والعسل، حيث المروج الخضر ، والمراعي الخصبة في وادي الاردن، ودلتا نهر النيل، وفي اشجار النخيل وحقول القمح بسنابلها الذهبية، وكانت هذه الخيرات مؤمنة خلف اسوار المدن، والجيوش المنظمة، مما يكبح رعاة الغنم عن التفكير في اختراقه، وقد اطلق الكنعانيون على هؤلاء الرعاة اسم «العبرانيين« اي الذين جاءوا من الجانب الآخر من النهر، وعندما كان يحتاج الفرعون الى العمال المستعبدين في الزراعة والبناء كان يسمح للرعاة بادخال اغنامهم ومواشيهم للدلتا، وكانوا عندما يشفق عليهم احد الملوك الفلسطينيين يمنحهم فرصة الحصول على الماء والمرعى.

لقد بلغت مدينة بابل اوج مجدها في دولة بابل الثانية في عهد «نبوخذ نصر» الذي اعاد بناءها واقام اسوارها الشهيرة، وكان بذخ بابل وفخامتها اشبه بالاساطير، ففيها الحدائق المعلقة، احدى عجائب الدنيا السبع، وعرفت بين الاغريق مكانا للمسرات، وعرفها العبرانيون مهداَ للحضارة ، فمن بلاد الرافدين جاء ابراهيم (عليه السلام) جدّ يعقوب ( اسرائيل) واحفاده بني اسرائيل.

تنبأ « ارميا» احد انبياء اسرائيل بسقوط القدس، ودعا اليهود الى الخضوع لملوك بابل، وحذرهم من مقاومتهم:« ها أنذا اجلب عليهم امة من بعد يابيت اسرائيل يقول الرب امة منذ القديم، امة لا تعرف لسانها ولا تفهم ما تتكلم به، جعبتهم كقبر مفتوح، كلهم جبابرة.. يهلكون بالسيف مدنك الحصينة التي انت متكل عليها«.

(آرميا:5)

ولكن اليهود لم يستمعوا لنصيحة آرميا، وحاربوا البابليين، فاحتل نبوخذ نصر القدس (586 ق.م) وهدم اسوارها، وحمل اكثر من ثلاثين الفاً من خيرة سكانها من الكهنة والاطباء والحرفيين اسرى الى بابل، ولم يقتل البابليون او يسترقوا احداً من اليهود عندما استولوا على القدس.

اختار نبوخذ نصر يهوديا اسمه «متانية» واطلق عليه اسم « صدقيا» ونصّبه ملكا على اليهود، ولكن صدقيا نكث باتفاقه مع نبوخذ نصر، وقاد ثورة ضد بابل.

فعاد نبوخذ نصر وحاصر القدس واستولى عليها، وعاقب صدقيا بأن اعدم ولديه امام ناظريه،ثم سمل عينيه واودعه بقية حياته في السجن، وكانت هذه نهاية آخر ملوك يهوذا.

عندما استولى الملك الفارسي قورش العظيم على بابل (538 ق.م) فانه سمح لليهود بالعودة الى فلسطين، تكريما لزوجته اليهودية «استير» ، ولكن القسم الكبير منهم كان قد استقر في بابل، وازداد ثراء من عمله بالتجارة بين الشرق والغرب، فآثر البقاء فيها.

كانت حال اليهود الذين آثروا البقاء في بابل أفضل من حال الذين اختاروا العودة الى فلسطين، فالقدس كانت قد احترقت ودمرت، وبقيت طيلة سبعين عاماً عرضة للسلب والنهب، واصبح هيكل سليمان اثراً بعد عين، ولم يتبق من اليهود بعد السبي سوى بضعة آلاف كانوا يدفعون الاتاوة للصوص والاشقياء، ويحصلون على ما يسدّ رمقهم، اما الذين عادوا من بابل فلم يجدوا في القدس والتي اصبحت مرتعاً للصوص والمجرمين غير الجوع والفوضى ، فوقعوا فريسة اليأس والاحباط.

بقيت القدس ومحيطها محمية فارسية فلم يكن لدى اليهود جيش، واعرضوا عن التورط في الحروب التي لم تجلب لهم غير المصائب، وعندما فتح الاسكندر المقدوني بلاد فارس اصبحت فلسطين جزءاً من امبراطورية البطالسة في مصر، ولما فتح السلوقيون فلسطين (198 ق.م) لم يبد اليهود أية مقاومة على الاطلاق، حيث لم تعد الحرب شيئاً يأبهون به، ولم تكن لليهود قوات عسكرية لمئات خلت من السنين.

يعتبر سقوط القدس وتدميرها سنة 70م، على يد الرومان نهاية الدولة العبرية، ونهاية الوجود اليهودي في فلسطين، وكان المال هو سب العداء بين الرومان واليهود، واشتعال الحرب اليهودية في فلسطين، فلقد تشددّ الحكام الرومان في جمع الضرائب من اليهود، وكان اليهود يكرهون دفع الضرائب مع ان الامتناع عن دفع الضريبة جريمة عقوبتها الموت لحاجة روما لتجهيز جيوشها الجرارة، لذلك قامت جماعات يهودية بالعصبان ضد الرومان في الفترة التي امدت منذ وفاة هيرودس الكبير في السنة الرابعة ق.م وحتى تدمير القدس والهيكل (سنة 70م.)

ان المؤرخ اليهودي الشهير «يوسيفوس» يرجع السبب في حدوث المصائب التي نزلت باليهود عام 70م الى تعاليم «يهوذا الجليلي» فلقد الحقت «يهودا» بالامبراطورية الرومانية عام 6م ، وفي ذلك العام امر الامبراطور اغسطس باجراء احصاء للسكان لفرض الضرائب عليهم، عند ذلك بدأ «يهوذا الجليلي في تحريض اليهود على الامتناع عن دفع الضرائب، وعلى رفض الاعتراف بالامبراطور الروماني سيداً عليهم، ادرك يوسيفوس العواقب المأساوية للمجابهة مع الرومان.

انفجر العنف والارهاب من قبل المتطرفين اليهود «السيكارديم» عام 70م، ليعم انحاء فلسطين، ولم يكن بين اليهود في فلسطين اجماع على محاربة الرومان وقد شارك ا لكثيرون منهم في العصيان خوفا من عصابات « السيكارديم» التي لا تعرف الرحمة، في ذلك الوقت ادرك يوسيفوس العواقب المأساوية للمجابهة مع الرمان، فآثر السلامة وانضم الى الرومان.

كانت فلول «السيكارديم» قد لجأت الى القدس، وحال دخولهم الى المدينة اقتحموا الهيكل وذبحوا حراسه، وحرقوا مخازن القمح والشعير في القدس، وفر آلاف اليهود من القدس ليس خوفا من الرومان، بل للنجاة بانفسهم من ارهاب اليهود السيكارديم، واخذت ألسنة اللهب تتصاعد داخل القدس التي تحولت الى مقبرة تكدست في شوارعها الجثث ، فمن لم يمت بالسيف مات جوعا: « والشعب الذي يتنبأون له يكون مطروحاً في شوارع اورشليم من الجوع والسيف وليس من يدفنهم هم ونساؤهم وبنوهم وبناتهم واسكب عليهم شرّهم «.(آرميا 14:16).

كانت فلول السيكارديم التي فرت من القدس قد اتجهت الى قلعة «ماسادا» بقيادة «اليعازر» احد احفاد «يهوذا الجليلي» واستولوا على القلعة وصمدوا فيها ثلاث سنوات وعندما قاربت القلعة على السقوط في يد الرومان ، انتحر اليهود المحاصرون بقتل انفسهم، وقتل بعضهم بعضاً خوفاً من التعرّض للصلب على يد الرومان.

غاب اليهود الارهابيون عن مسرح الاحداث، وبسقوط القدس في يد الرومان، وزوال الدولة اليهودية، تيقن اليهود من عدم جدوى الحروب، وتشتتوا في بلاد كثيرة خضعوا لحكامها وتكلموا لغاتها، وبعد تدمير الهيكل الثاني «70م» استعاض عنه اليهود بالكنيس، وعاشوا الفي سنة بعد تدمير الهيكل الثاني دون ان يشعلوا حرباً.

استوطن اليهود اسبانيا في القرن الاول الميلادي ابان حكم الرومان، وفي عام «616 اصدر الملك «سايبسط» مرسوما عام 616 يفرض على اليهود ان يعتنقوا المسيحية ، والا تعرضوا لمصادرة ممتلكاتهم والنفي من البلاد.

لقد عبر جيش عربي بقيادة طارق بن زياد مضيق جبل طارق الى اسبانيا عام ٧١١م.

يقول الكاتب اليهودي الاميركي هوارد فاست: «في ظل الحكم العربي بدأ العصر الذهبي ليهود اسبانيا»، حيث نجوا من الابادة واصبح بامكانهم السفر والتنقل، واعادوا بناء معابدهم التي دمرها القوطيون، ومن كان قد تحول منهم الى النصرانية عاد الى اعتناق يهوديته من جديد، ويعلق الكاتب اليهودي سيسيل روث: «لم يكن من الصعب على اليهودي المنافق ان يتحول الى مسيحي منافق». اما الكاتب الاميركي ماكس ديمونت، فيقول: «انه لمن المضحك ان عددا كبيرا من اليهود الذين اجبروا على اعتناق المسيحية قد تحولوا «في نظر السلطات الاسبانية» من كفار خارج الكنيسة الى هراطقة داخلها». ولقد وقفت الكنيسة الكاثوليكية ضد اليهود الذين كان تنصرهم كاذبا، فكانوا يحرقون على السفود من تثبت عليه الهرطقة ويصادرون ممتلكاته، وكانت رائحة لحم اليهود المحترق تنتشر في اجواء المدن والقرى في قشتالة واراغون.

خلال الحروب الصليبية، فرّ الاف اليهود من المانيا الى بولندا ولتوانيا. وفي الفترة التي تلت هذه الحروب، اصبحت المانيا مكانا يثير الرعب في نفوس اليهود الذين كانوا عرضة للمذابح، فقد اعتقد الالمان ان اليهود يقتلون الاطفال المسيحيين، وخاصة الشقر منهم ليستعملوا دمهم في صنع فطيرة الفصح، وقد قاد البارون رندفليش جيشا شعبيا من الالمان اجهز علي اليهود في ١٤٦ مدينة وقرية، وفي عام ١٣٣٦ قامت مجموعة المانية تسمي نفسها «آرميلدر» بقتل اليهود في مقاطعتي «سوابيا» و «الالزاس»، فعندما انتشر الطاعون في اوروبا ساورت الالمان الشكوك في ان اليهود قد سمموا آبار المياه، فقامت حملة لابادة اليهود في اكثر من مائتي مدينة وقرية.

بعد الحروب الصليبية، طرأ تغيير كلّي على حياة اليهود في اوروبا، فلقد عزلوا في «الغيتو» وانقطع التواصل بينهم وبين الاغيار، وانهارت مؤسساتهم التجارية، وصادر اصحاب السفن من الايطاليين والفرنسيين بعضا من سفن اليهود التجارية، واحرقوا بعضها الآخر، واصبح اليهودي عدو المسيح هو الشيطان الذي في متناول اليد في اوروبا.

يجب ان لا يستقر في ذهن احد، ان انكار «الهولوكوست» المحرقة في مفهوم اليهود القائمين على إحياء ذكراها يتمثل فقط في انكار حدوثها البتة، بل هو مفهوم فضفاض يشمل اي محاولة للتدقيق في عدد الضحايا او ماهية وسائل الموت، ان المئات من الدارسين والباحثين قد تعرضوا لصنوف مختلفة من العذاب والاضطهاد، والاعتداء الجسدي والمعنوي، والملاحقة في المحاكم، او الطرد من العمل مهما ارتفعت مراتبهم العلمية، وسمت اخلاقهم، ان هم حاولوا المساس بالمفهوم التقليدي للهولوكوست المتمثل في ان ستة ملايين يهودي قتلوا حرقا من قبل هتلر والسلطات الالمانية النازية.

بعد ان حاز النازيون على الحكم في المانيا ١١/ ٤/ ١٩٣٣ اصدروا «المرسوم الاري» الذي عرف غير الآري بأنه الشخص الذي ليس له اب او جد آري، وذلك للتمييز ضد اليهود باعتبارهم غير آريين، تمهيدا لابادتهم، ومنذ ان صعد هتلر الى سدة الحكم بدأ اليهود بالفرار من المانيا، ومن الاقاليم التي كانت تخضع للحكم الالماني، ولا يعرف بالضبط متى اتخذ النازيون قرار ابادة اليهود، ولكن الاكثر ترجيحا ان القرار اتخذ في اجتماع محدود بين هتلر واقرب اعوانه في عربة قطار خاصة به عام ١٩٣٩.

مع تركيز المسؤولية على هتلر والمانيا النازية في شأن «المحرقة» Holocaust الا ان هناك اشارات لا يتم التركيز عليها حول اشتراك بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية غير المباشر في المسؤولية عن الهولوكوست، فان قوانين الهجرة التي كانت تطبقها بريطانيا في فلسطين «الكتاب الابيض» كانت تعيق الهجرة اليهودية الى فلسطين، ولكن الاحداث اثبتت استمرار تدفق الهجرة اليهودية غير الشرعية على فلسطين، اما في امريكا فقد اتهم اليهود وزير الخارجية كورديل هل، ووكيل الوزارة سمنر ويليس بأنهما تسببا في ابادة ملايين اليهود بسبب تحديد عدد المهاجرين السنوي من اوروبا بمائة وخمسين الف مهاجر.

يقول الكاتب اليهودي الأمريكي هواردفاست:« إن ملايين اليهود الاشكنازيين الذين تعرضوا للابادة في معسكرات الموت النازية، كان بامكان الكثيرين منهم الهرب، لو ان القوى الكبرى لم تكن مستغرقة في العاب النفط والموت »، ويتابع فاست قائلا : « فيما يتعلق بالمحرقة النازية التي ابادت اكثر من ستة ملايين يهودي، يفوق عددهم ثلث عدد اليهود في العالم، فان مسألة الهجرة والمسؤولية عن اعاقتها لا يمكن تجاوزهما».

About this publication