محمد عبيد
وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون ودعت مكتبها مع انتهاء فترة خدمتها طوال الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي باراك أوباما، وحل محلها في منصب رئيس الدبلوماسية ديمقراطي آخر هو جون كيري الذي لا يقل عنها شأناً وخبرة، ويعرفه الجميع في الولايات المتحدة وخارجها .
بين القادم والمرتحلة فروق لا تكاد تذكر، لكن ذلك لا يعني أننا سنشهد نسخة جديدة من هيلاري، ذلك أن السياسي العتيق الذي يعد أقدم الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية فيه، والذي نافس جورج بوش الابن في الانتخابات الرئاسية العام ،2004 واحد من أكثر الساسة الأمريكيين اتصالاً بالمنطقة العربية، واطلاعاً على شؤونها، وكثيرون يرون فيه مهندساً للعلاقات الأمريكية مع قوى الإسلام السياسي الصاعدة، خصوصاً حركة “الإخوان المسلمين” في مصر .
كيري يتمتع بقيمة سياسية تتخطى هيلاري بمراحل، وربما إن لم يكن الأمر كذلك يفوق الرئيس الأمريكي نفسه دراية وحنكة وقدرة وبراغماتية، ولعل إقرار مجلس الشيوخ تعيينه من دون لغط يذكر، مقارنة بعملية تعيين زميله وزير الدفاع تشاك هاغل، الذي أخذ عليه مواقفه من الصراع العربي “الإسرائيلي”، والملف النووي الإيراني، ما يشي بأن كيري يغنّي مع الجوقة ولا يخرج عن نوتتها .
المرجح أن وزير الخارجية الجديد لن يشكل علامة فارقة في السياسة الأمريكية، لكنه على الأغلب لن يقع في أخطاء قاتلة وقعت فيها كلينتون، خصوصاً مسألة الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي التي شكلت مادة تضليل للمشرّعين الأمريكيين، عبر المرشحة السابقة للوزارة مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن سوزان رايس التي تعاطت مع الموضوع بقليل من المهنية على أقل تقدير .
أمام كيري محطات مهمة كثيرة، وقد تكون أصعب وأدق مما مر على هيلاري، فمن جهة هناك ملف العلاقات الأمريكية الروسية في عالم متقلّب، والعلاقات مع الغرب وأوروبا، ونهاية “عقد الحروب”، كما قال أوباما مع تسلمه مهام ولايته الرئاسية الثانية، وأزمات المنطقة العربية المتعاظمة، بدءاً من حالة انعدام الاستقرار في مصر وشمالي إفريقيا، مروراً بالقضية الفلسطينية، وانتهاء بالأزمة السورية وسبل حلها سياسياً، والملف النووي الإيراني .
بين القادم والمرتحلة ملفات عالقة تنتظر الحل، وسياسات خارجية تنتظر تعاطياً بصيغ جديدة أكثر واقعية، خصوصاً أن التغييرات لم تطل العالم العربي وحسب، بل طالت أيضاً العالم ككل، وإن كانت أقل ضجة وفوضوية، وخصوصاً على صعيد ميزان القوى العالمي . ينتظر من كيري الذي يطلق اليوم تصريحاته الأولى عندما يلتقي موظفي وزارته كما هو معلن، أن يضع معالم لتوجهات وزارته، وأن يصرح عن مواقف الإدارة الأمريكية من الملفات العالمية المهمة، وإن كان مستبعداً أن يحمل إلى السياسة الخارجية في بلاده تغييراً ثورياً، بسبب ما يكبل المؤسسة الرسمية الأمريكية من قيود أهمها العلاقة مع الكيان، ومجموعات الضغط والمصالح، والعلاقة مع المنافس الجمهوري اللدود المتربص بالأخطاء .
أياً يكن الأمر فإن المهم يتلخص في ما ستكون عليه سياسة واشنطن الخارجية تجاه القضية الفلسطينية أولاً، وقضايا المنطقة العربية المتفجرة، والعلاقة مع القوى الصاعدة فيها، فهذا هو المقياس الدقيق لأي تغيير .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.