Kerry: Newcomer to American Diplomacy

<--

كيري.. الجديد القادم لدبلوماسية أمريكا

تولى السيناتور جون كيري منصبه رسميًا كوزير لخارجية أمريكا أمس الأول الجمعة خلفًا للسيدة هيلاري كلينتون التي آثرت الابتعاد عن فريق الرئيس باراك أوباما خلال الفترة الرئاسية الثانية، ورغم أن التغيير في المناصب الكبيرة سمة دائمة في الإدارة الأمريكية خلال تولي الرئيس للفترة الرئاسية الثانية إلا أن تولي كيرى المنصب له نكهة خاصة باعتبار أن كيرى لم يكن دبلوماسيًا عاديًا وإنما صانع للسياسة الخارجية الأمريكية من خلال توليه منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس التي تعدّ أهم لجنة لعدّة سنوات، وقد استطاع من خلال هذا المنصب خلق علاقات شخصية خارجية مهمة ليس على مستوى وزراء خارجية الدول وإنما على مستوى الرؤساء خاصة أنه كان مرشحًا رئاسيًا سابقًا والجميع بالخارج تعاملوا معه على هذا الأساس.

ولكن السؤال المطروح هل سيستطيع كيري أن يحقق اختراقًا في الملفات الخارجية الشائكة التي فشلت فيها كلينتون وهي ملفات متعدّدة ومتشعبة تبدأ من ملف سلام الشرق الأوسط التي تتولى أمريكا رعايته بعد خطفه من اللجنة الرباعية الدولية، وتنتهي بملف الحرب على الإرهاب والتعامل مع الإسلاميين الجدد الذين تولوا السلطة في دول الربيع العربي، والملف النووي الإيراني الذي له روابط بالعراق وسوريا وحزب الله وأيضًا ملف العلاقات الأمريكية الروسية والعلاقات الأمريكية الصينية وملف كوريا الشمالية وملف إفريقيا وأزماتها.

ما يهمّنا أن كيري هو كيف سيتعامل مع أزمات منطقتنا العربية والإفريقية، هل سيستطيع أن يكسر الجمود في ملف السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل التي وضحت أنها ليس لديها أصلا برنامج للسلام أم أنه سيواصل مواقف كلينتون التي لم تثمر إلا في تمكين إسرائيل وإنشاء مستوطنات يهودية جديدة مما أدّى لعرقلة مساعي السلام؟ وكيف سيتعامل مع القضايا العربية الراهنة، من المهم أن تدرك إدارة أوباما أن الموقف العربي بعد ثورات الربيع العربي قد تغير تمامًا بدخول لاعبين جدد في صنع القرار يتمثل في تولي الإسلام السياسي مقاليد السلطة خاصة في مصر وتونس، ولذلك فإن التعامل سيختلف تمامًا عما ألفته الإدارة الأمريكية خلال العقود الماضية وأنها ستجد نفسها من خلال دبلوماسية كيري المتوقعة في المواجهة ليس مع حركة إسلامية واحدة كحماس وإنما مع دول متعدّدة لها رؤى ومواقف واضحة في قضايا المنطقة تختلف عن مواقف ورؤى الإدارة الأمريكية.

فالإدارة الأمريكية الجديدة مطالبة بوضوح الرؤية في قضايا المنطقة، فليس من المعقول أن تتولى أمريكا مساعي السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل وفي ذات الوقت تنحاز انحيازًا أعمى للدولة العبرية التي استغلت هذا الانحياز وقتلت جهود السلام في مهدها عبر مخطط تهويد القدس وطمس معالمها ومصادرة الأراضي وتسريع الاستيطان بخلق المزيد من البؤر الاستيطانية بمواقف تتعارض مع مواقف المجتمع الدولي الذي اعترف رسميًا بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب في الأمم المتحدة.

إن الامتحان الأول لكيري هو كيف يتعامل مع قضية السلام في منطقة الشرق الأوسط، هل ستكون له مواقف مختلفة عن مواقف كلينتون؟ أم سيسير في نفس المنوال، من المؤكد أن هذا الموقف سينكشف خلال الزيارة التي يعتزم كيري القيام بها إلى إسرائيل منتصف الشهر الجاري، في إطار أول جولة له بمنطقة الشرق الأوسط والغريب أن إذاعة إسرائيل هي التى أذاعت خبر الجولة وهذا معناه أن كيري لن يخرج عن الطوق الإسرائيلي، فإسرائيل تريد استغلال هذه الزيارة المرتقبة في سبل تفعيل التعاون والتنسيق بين واشنطن وتل أبيب في الملفات المفتوحة والتي تشمل الأزمة السورية، والملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

يبدو أن كيري أراد من خلال بدء جولته الشرق أوسطية بإسرائيل إرسال رسالة مهمة للمنطقة بأن سياسة أمريكا خلال الفترة الثانية من إدارة أوباما لن تتغيّر رغم المخاوف الإسرائيلية وأن الأولوية للتعاون مع إسرائيل وأن واشنطن ستنظر لقضايا المنطقة من خلال عيون تل أبيب التي لا تريد السلام وإنما تريد جرّ المنطقة لحرب جديدة عبر التهديد بضرب إيران وتجريب القبة الحديدية التي فشلت في مواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.

من الواضح أن كيري سيتحرّك بحذر شديد تجاه قضايا المنطقة العربية وهذا يتناقض مع مبادرة أوباما خلال فترة رئاسته الأولى والتي حظيت باهتمام دولي وإقليمي كبير ولكنه فشل بسبب مواقف إسرائيل ولذلك فإن أي مبادرة جديدة إذا لم تصحبها مواقف واضحة تضغط واشنطن من خلالها على إسرائيل ستفشل، فسياسة إقامة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية التي تتبناها واشنطن فشلت تمامًا وإن تمسك كيري بإحيائها يتطلب منه الكثير من التحرّك خاصة أن إدارة أوباما لم تحدّد لكيري النهج المتبع تجاه عملية السلام رغم أن كيري نفسه يدرك الكثير حول هذه القضية وأسباب فشل واشنطن في تحقيق اختراق فيها.

رغم أن المواقف الأمريكية شبه ثابتة في الكثير من الملفات الدولية إلا أن تولي كيرى قيادة الدبلوماسية الأمريكية قد يغيّر النظرة في بعضها خاصة أن كيري كما يقول المراقبون يفضل الدبلوماسية على سياسة استخدام العصا الغليظة وهذا يعني أن الموقف تجاه الملف النووي الإيراني سيتركز على الحوار عبر (5+1) بدلاً من التهديد بالضرب كما تطالب إسرائيل رغم إعلان كيري ومسؤولين أمريكيين آخرين في عدة مناسبات بأن “كل الخيارات مطروحة على الطاولة” مع ملف إيران بما فيها توجيه الضربة الجوية.

فالقضايا التي تواجه كيري الجديد القادم على رأس الدبلوماسية الأمريكية كثيرة ومتعدّدة ولكن خبرة كيري وتناغمه مع أوباما كفيلة بمواجهتها إذا ما اتبعت واشنطن المزيد من المصداقية ونظرت للقضايا الدولية بمنظار العدالة لا الانحياز كما هي الحال في السابق، فهل ينجح كيري الخبير بالسياسة الخارجية أم سيفشل؟ وأنه سيتعامل مع لاعبين جدد لهم مواقف تختلف عن مواقف واشنطن وجاءوا بسند شعبي.

About this publication