The American Dimension of the Egyptian Revolution

<--

كما كنت ذكرت فى مقالى الأسبوع الماضى أن أعداء نجاح الثورة هم ثلاثة أطراف النظام السابق والحالى والولايات المتحدة الأمريكية، وقد أكدت أن الأطراف الثلاثة من مصلحتها بقاء الثورة على حالتها الحالية مع التأكد من عدم نجاحها لأن وجود الحالة الثورية يجعل هذه الأطراف يسوقون أنفسهم ويتحدثون باسمها أحيانا.

إذا هم حريصون على بقاء الثورة لكنهم أحرص على عدم نجاحها

وقد أردت فى مقال اليوم التركيز أكثر على الموقف الأمريكى وتحليله من الناحية السياسية والكشف عن وجه الولايات المتحدة الحقيقى أو بمعنى أدق كشف وجه إدارة أوباما لأن الشعب الأمريكى غير معنى بسياسة بلاده الخارجية خاصة عندما يواجه مشاكل وأزمات اقتصادية طاحنة مثل التى يواجهها هذه الأيام.

ولكى نقترب أكثر من الحقيقة لابد لنا أن نسأل “ماذا تريد الولايات المتحدة من مصر؟”

وهناك صيغة أخرى للسؤال “ماذا تعنى مصر للولايات المتحدة؟ “

هل مصر مهمة لهذه الدرجة أم نحن نبالغ أحيانا؟

هل الموضوع برمته لا يتعدى المحافظة على اتفاقية السلام مع اسرائيل من الجانب المصرى؟

هل مصر تتحمل سياسيا واقتصاديا غضب الولايات المتحدة عليها؟

هل تستطيع مصر العيش بشكل مستقل بعيدا عن هيمنة الولايات المتحدة؟

لماذا لا تتحالف مصر مع الاتحاد الأوروبى مثلا بدلا من أمريكا؟

ما تريده الولايات المتحدة من مصر هو أن تصبح مصر حليفا استراتيجيا بنفس درجة تحالفها مع أعضاء حلف شمال الأطلنطى ولكن مصر كانت دائما ترفض بناء أى قواعد أمريكية على أراضيها إلا أن هذا لم يمنع الدولتين من بناء تحالف استراتيجى عسكرى وسياسى كان مهندسه هو الرئيس الراحل أنور السادات بمجرد توقيعه على اتفاقية السلام مع إسرائيل والتى تمت تحت رعاية أمريكا بشك حصرى.

ان مصر تعنى لأمريكا الكثير والكثير جدا والأمريكان يعلمون أنهم يتعاملون مع دولة ليست فقط صاحبة أكبر عدد سكان فى الشرق الأوسط بل صاحبة أكبر تأثير سياسى وثقافى فى المنطقة والمحافظة على مصر المستقرة يضمن المحافظة على الحد الأدنى من استقرار المنطقة وهذا يعنى عمليا لأمريكا تحييد أكبر جيش فى المنطقة والسيطرة عليه لضمان أمن إسرائيل حيث إن محاربة جيش بحجم الجيش المصرى لاشك أنه سيهدر طاقة الكيان الصهيونى ويمنعه من مواجهة أعدائه الآخرين المتمثلين فى حزب الله وحماس وإيران.

أما عن قدر مصر فى ملكيتها لأكبر وأهم شريان ملاحى فى العالم وهو قناة السويس فقد أصبحت حماية استقرار مصر أحد أهم أهداف الإدارات الأمريكية المتعاقبة مهما اختلفت ألوانها الحزبية ولا أبالغ ان قلت أن استقرار مصر يكاد يكون أحد أركان الأمن القومى الأمريكى – فهذا الاستقرار يضمن سهولة الملاحة العالمية ويمنع حروبا كبيرة فى المنطقة ويضمن تدفق النفط إلى الغرب.

وعليه أصبحت العلاقة بين الدولتين المتحالفتين استراتيجية بصرف النظر عن بعض الأحداث التى عكرت صفو العلاقة خلال العقود الثلاثة الماضية فمثلا سمعنا عن عملية الكربون الأسود التى تمت فى عهد المشير أبو غزالة حيث حاولت مصر نقل تكنولجيا الصواريخ المتقدمة فى الولايات المتحدة من خلال عملية استخباراتية من وراء ظهر وكالة الاستخبارات الأمريكية سى آى إيه ولم تنجح إلا أنها كلفت المشير أبو غزالة منصبه كوزير دفاع وقائد عام للجيش المصرى.

ثم جاء جورج دبليو بوش الابن ليعكر العلاقة مرة أخرى بحروبه التى قام بها فى المنطقة بدون داعى وضغطه على مبارك لبدء إجراءات حقيقية وملموسة لتطبيق الديمقراطية فى مصر إلا أن هذا لم يؤد إلى هدم العلاقة وظلت العلاقات العسكرية والتعاون الاستخباراتى قائم وبشكل قوى خاصة فى وجود شخصية كعمر سليمان الذى كانت له علاقات قوية بدوائر صنع القرار الأمريكى.

ثم جاءت الثورة المصرية فى يناير 2011 وهنا لابد لنا أن نتوقف قليلا أمام الموقف الأمريكى المتخبط والذى تفاجأ مثله مثل كل الأطراف الأخرى حيث أصابته الحيرة والدهشة من حجم المظاهرات وقوتها وتنظيمها الرائع ففى أول أيام الثورة راهنت الإدارة الأمريكية على مبارك وقالت بالحرف إن نظام مبارك قوى ومستقر ولكن بمجرد أن أخذت الثورة منحى آخر من يوم 28 يناير بدأت الإدارة الأمريكية تشعر أنها ارتكبت حماقة بدعمها لمبارك فى بداية الثورة وعلى الفور بدأت تغازل الثورة وشبابها وقام أوباما بإلقاء خطاب عاطفى يصف المصريين أنهم ألهموا العالم.

كان على الأمريكان وفورا إيجاد النظام الذى سيحكم مصر بعد الثورة ولم يجدوا أمامهم الا العسكر والاخوان فكلاهما له شعبيه فى الشارع وقوة تنظيمية لكن عندما أحسوا أن الثورة لن تقبل بحكم العسكر مرة أخرى بدأوا التركيز على القوة المنظمة الأخرى التى تتدعى أنها تملك الشعبية الأكبر والتى على استعداد أن تقدم أكثر مما قدمه نظام مبارك لأمريكا للوصول للحكم فسمعنا من الدكتور سعد الدين ابراهيم اعترافاته بما حدث من اتفاق بين الإخوان والأمريكان حيث ضمن الإخوان فى حالة وصولهم للحكم المحافظة على اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل وضمان البقاء على المصالح الأمريكية فى المنطقة على نفس حالها بل ضمان السيطرة على قناة السويس وتحويلها لمنطقة دولية بأموال رجل أمريكا الثانى فى المنطقة وهو أمير دولة قطر وهذا ما سمعناه وقرأناه على الأقل من شخصيات لها وزنها.

ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تعرف إلا سياسة مصالحها ولا تتفاوض إلا من أجل ما تأخذ هى فهى لاتبنى علاقات على أساس المصالح المشتركة واحترام الآخر بل هى تعرف مدى تأثيرها ونفوذها لذلك لا ترى الا نفسها وإذا اضطرت فهى قد تلقى ببعض الفتات إلى من تتحالف معهم لكنها دائما تأخذ القضمة الكبيرة.

إن قصة حماية الديمقراطية والحرية وحقوق الأقليات ما هى الا شعارات ترددها الولايات المتحدة ولا تنفذها الا على نفسها وتنكرها على الدول النامية التى تحلم بالحرية وهى فقط أدوات تستخدمها فى خطابها الإعلامى والسياسى لمجرد تسويق نفسها.

وإذا كان أحد يراهن على موقف الادارة الأمريكية من دعم الديمقراطية فى مصر وحماية حقوق الأقليات فهو يراهم على الماء فى الغربال لأن أوباما لن يضغط على نظام الاخوان بشكل حقيقى الا عندما يجد أن الاخوان ليسوا جديرين بالمحافظة على المصالح الأمريكية فى مصر وهنا الفرق بين أمريكا والاتحاد الأوروبى حيث نجد أن دول الاتحاد تتصرف فى علاقاتها بشكل أكثر أخلاقية من أمريكا فهم دائما يربطون علاقاتهم ومساعدتهم لأنظمة الحكم فى الدول الأخرى بمدى تطبيقهم لمبادىء حقوق الإنسان والديمقراطية وأنا لدى معلومة أن الاتحاد الأوروبى لن يساعد نظام الحكم فى مصر طالما يمارس العنف المفرط مع المتظاهرين السلميين ويرفض ضمانات لشفافية الانتخابات وهنا يتبلور موقف الأوروبيين الأكثر أخلاقا من أمريكا. لكن للأسف تأثير أوروبا السياسى فى المنطقة لا يرقى إلى قوتها الاقتصادية وأعتقد أن الاخوان لا يعبأون بالموقف الأوروبى طالما أن التحالف الأمريكى قائم أو نصف قائم.

فهل ستتعلم الإدارة الأمريكية الدرس وتراهن على الشعوب وليس أنظمتهم الحاكمة

أشك..

حفظ الله الوطن والمجد لشهداء الثورة الأبرار.

About this publication