كيري: المسكنات بينما ينتشر السرطان
قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أثناء مغادرته، بعد زيارة لمدة ثلاثة أيام قابل فيها الإسرائيليين والفلسطينيين: “نحن منفتحون للمفاوضات. ولكن لا يجب أن تكون مفاوضات مفتوحة، بلا نهاية، ولا يمكن استخدامها عذرا لجهود أخرى”.لا يجب أن يتسرع أحد ويعتقد أنّ كيري يتحدث عن المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية التي يدعو لها، أو أنّ الجهود الأخرى التي يمكن أن تكون المفاوضات غطاءً لها هي الاستيطان الصهيوني. لا؛ فالحديث هو عن إيران، وأنّه يمكن التفاوض معها شريطة أن لا يكون هذا غطاءً لمضيها في المشروع النووي. وهو في تصريحه هذا في مطار اللد، يقدم تطمينات للإسرائيليين، بأنّ إيران لن يُسمح لها بامتلاك سلاح نووي.قيل إنّ كيري يستمع للأطراف المختلفة في الشأن الفلسطيني–الإسرائيلي، ليتلمس كيف يمكن إطلاق عملية سياسية (كالتي استمرت عشرين عاما بدون جدوى). وكل الأفكار التي يجري طرحها يبدو أنّها الأفكار نفسها المستعملة سابقا، من مثل الحديث عن مُبادرة السلام العربية، والتنمية الاقتصادية في الضفة الغربية.ما يبدو أنّ كيري يريده هو استكمال وإضافة تفاصيل لما هو مطروح أصلا. فمثلا، بحسب ما تكشف صحيفة “واشنطن بوست”، غضب كيري من تسريبات الجانب الفلسطيني عن تفاصيل إضافية يريد من الدول العربية إضافتها على مبادرتها للسلام؛ على اعتبار أنّ المبادرة المعلنة العام 2002، والمجددة العام 2007، لا تتضمن تفاصيل كافية عمّا ستحصل عليه إسرائيل لو جرى التوصل إلى اتفاق تسوية. وبحسب الصحيفة، فإنّ غضب كيري هو من تسريبات الجانبين. ما يزال كيري يبحث في بيئة التسوية التي ستأتي بالطرفين إلى طاولة المفاوضات أمام عدسات الكاميرات. فهو يبحث عن مبادرات عربية، ويتحدث عن تنمية اقتصادية في الضفة الغربية، ويستمع لمطالب قديمة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأخرى قديمة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.تفكير أميركي تقليدي، كان عقيما على مدى عقود من الزمن؛ ومحاولة حل المعضلة نفسها بذات الأدوات التي لم تنجح طوال عقدين. يبدو أن مستشاري كيري لم يبلغوه أنّ الحديث عن موضوع التنمية الاقتصادية قد يشكل حساسية خاصة عند الشعب الفلسطيني، رغم صعوبة وضعهم الاقتصادي. لأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدث سابقا عن السلام الاقتصادي، بديلا من التسوية السياسية والجغرافية، ورفض الفلسطينيون هذا. ولأنّ الناس يشعرون أنّ برنامج بناء الدولة تحت الاحتلال وتجهيزها، والذي تبناه الفلسطينيون، قد وصل سقفه، وفشل في تحقيق استقلال سياسي أو اقتصادي. الحديث عن تنمية اقتصادية -لا تشكل، كما يقول كيري، بديلا من المسار السياسي- أشبه بالقول إنّه بما أنّ الظروف الموضوعية الفلسطينية مهيأة للانفجار حيث هناك أزمة اقتصادية، واستيطان، وفقدان أمل، وبطالة مرتفعة جدا، وأجهزة سلطة ومؤسسات اجتماعية مفلسة وضعيفة، والروح المعنوية متدنية، وهذه كلها وصفة للثورة، فلا بد من نوع من التهدئة. وبما أنّ الاستيطان والاحتلال هما العلة الأساسية، فإنّ كيري قرر التعامل مع الأعراض وتسكين الآلام، منعا للانفجار، وذلك في انتظار تبلور شيء قد يعالج أساس القضية، وقد لا يعالج. فالوضع أشبه بإعطاء مسكنات لمريض سرطان، مع وعود بالبحث عن علاج متوافر ومعروف، ولكن طرفا ما يمنع استخدامه. ما يطرحه كيري ويطرحه الإسرائيليون هو كيف تكون العودة للتفاوض، وليس كيف يكون الحل. ففكرة الرئيس الفلسطيني وطلبه خريطة مقدمة من نتنياهو بشأن رؤيته لحدود تقسيم فلسطين إلى دولتين؛ مرفوضة إسرائيليا، ولا تلقى قبولا أميركيا. والحديث عن صيغ وشروط من الطرفين لبدء مفاوضات. ومما تريده إسرائيل، تعهد فلسطيني بالتراجع عن تدويل القضية بالذهاب إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدّولية، طوال أمد المفاوضات، وليس لشهرين، كما تعهدوا بالفعل الآن. أي أن يقرر الفلسطينيون عدم محاولة أي علاج لقضيتهم.وبالمثل، سيكون تنشيط دور لدول المنطقة في العملية السياسي نوعا من احتواء أي توتر في المنطقة، أو أي خلاف مع إسرائيل يسهم في زيادة منسوب التوتر، ويعيق ترتيبات إقليمية تتعلق بدول أخرى مثل سورية وإيران
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.