تحت عنوان «صفقة الدولة الفلسطينية بين أمريكا والإسلاميين» طرحت مدخلاً للتفكير والدراسة على كل من الأمريكيين والحكام الممثلين للتيار الإسلامى، تصورت أنه يمثل طوق نجاة للدولة الفلسطينية، التى تقضم أرضها قوارض نتنياهو وحلفائه. كان ذلك هنا فى «المصرى اليوم» بتاريخ 26/2/2013. لقد سميت هذا المدخل المقترح بالمدخل التاريخى، لاعتماده على محاكاة صفقة أمريكا والرئيس السادات، التى قامت على تحقيق مصلحة أمريكية كبرى تمثلت فى طرد النفوذ السوفيتى مقابل الضغط الأمريكى على يايات التوسع الإسرائيلى فى سيناء لإجبارها على توقيع معاهدة تلتزم فيها بالانسحاب.
أما الصفقة المقترحة الجديدة فتقوم على ركنين: الأول أن يضمن الحكام الإسلاميون أمن أمريكا المهدد من الجماعات الجهادية منذ سبتمبر 2001، عن طريق احتواء هذه الجماعات فى إطار العملية السياسية، والثانى أن تمارس الولايات المتحدة آلية الترغيب والترهيب والضغط لحمل إسرائيل على قبول تسوية القضية الفلسطينية وإقامة دولة على الأرض المحتلة عام 1967. لقد تلقيت رأيين فى هذا الاقتراح. الأول يرى أن الولايات المتحدة مشغولة حالياً بالملف النووى الإيرانى وتعطيه الأولوية، والثانى يرى أنها تعطى الأولوية لفكرة الفتنمة الإسلامية، أى دفع القوى السنية، بزعامة الحكم الإسلامى فى مصر، إلى حلبة الصراع مع إيران وأتباعها من القوى الشيعية على غرار ما فعلته فى فيتنام بدفع شمال فيتنام إلى الصراع مع جنوبها لتخرج هى بقواتها سالمة مع تحقيق ما تريده. ورغم تسليمى بأن الحرب العراقية الإيرانية فى الثمانينيات من القرن العشرين كانت بروفة أو تجربة مصغرة لما يراد للعالم الإسلامى اليوم من اقتتال داخلى، فإننى ألمح عدة شواهد وبراهين تشير إلى تحرك أمريكى فى اتجاه التحضير لطبخة التسوية للمسألة الفلسطينية.
سأحاول هنا رصد بعض الشواهد الدالة على بدء مرحلة التحضير لمكونات طبخة الصفقة. أول مكون يحمل الطابع النفسى السياسى لتأهيل إسرائيل بقيادتها وجمهورها، خاصة جيل الشباب لقبول إقامة الدولة الفلسطينية. وقد ظهر هذا فى رحلة أوباما يوم 20 مارس الماضى لإسرائيل، حيث ظهرت علامات الطمأنة والتدليل لنتنياهو من خلال إشارة أوباما إليه باسم الدلع بيبى ومن خلال استخدام أوباما ثلاث نغمات رئيسية مع تنويعات مختلفة أثناء مخاطبته الإسرائيليين خاصة جيل الشباب فى اجتماع خاص.
جاءت النغمة الأولى لطمأنة مركب الخوف والعدوان لدى الشخصية الإسرائيلية والموروث عن تجارب الاضطهاد والمجازر والمحارق الأوروبية، والذى تغذى على ملابسات الصراع العربى الإسرائيلى. لقد حظى أوباما بتصفيق طويل عندما أكد للشبان الإسرائيليين أنهم ليسوا وحدهم، وأن أمريكا دائماً معهم. أما النغمة الثانية فهى إشعار الشباب الإسرائيلى بأن موافقته على إقامة الدولة الفلسطينية تؤدى إلى تعزيز أمن إسرائيل، وقد حظيت بالتصفيق أيضاً، أما النغمة الثالثة فتمثلت فى تشجيع الشباب على دفع قيادته إلى عملية السلام. وقد تعرض أوباما للنقد من جانب وزير الاقتصاد والتجارة نفتالى بينيت زعيم حزب البيت اليهودى، الرافض لإقامة الدولة الفلسطينية والمؤيد للاستيطان.
أما المكون الثانى فهو مكون استراتيجى يتصل بمشاعر الرعب الإسرائيلية من إمكانية تحول إيران إلى قوة مسلحة نووياً، حيث يتم توصيل إحساس للإسرائيليين بأن أمريكا تضمن أمنهم ومنع إيران من امتلاك السلاح النووى مقابل تجاوب الإسرائيليين مع مصالحها الأمنية فى صفقة السلام مع الفلسطينيين.
أما المكون الثالث فهو سياسى لإطلاق عملية المفاوضات ويشمل إيجاد بدائل للشرطين اللذين يعرقلان التفاوض.
أولهما الشرط الفلسطينى الخاص بتجميد الاستيطان الإسرائيلى لبدء التفاوض، وثانيهما الشرط الإسرائيلى المنادى باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة قومية للشعب الإسرائيلى لبدء التفاوض.
أما المكون الرابع فهو يتصل بمساحة الأرض المحتلة عام 1967، ذلك أن الفلسطينيين يصرون على إقامة دولتهم على هذه الأرض فى حين طرح وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى ضرورة إحياء فكرة تبادل الأراضى بما يحقق بقاء المستوطنات اليهودية فى الضفة ويعوض الفلسطينيين بمساحات إما فى داخل إسرائيل أو فى صحراء النقب.
أما المكون الخامس فيتصل بتشجيع مبادرة السلام العربية وأصحابها على التحرك وذلك بدعوة لجنة المبادرة التى ترأسها قطر إلى زيارة واشنطن للاجتماع بالرئيس أوباما نهاية هذا الشهر.
أما المكون السادس فهو إبداء التفهم لطلبات إسرائيل الأمنية فى وجود عسكرى إسرائيلى على حدود الدولة الفلسطينية مع الأردن والسيطرة الإسرائيلية على المجال الجوى الفلسطينى أو إيجاد بدائل أمريكية لهذين الطلبين.
لقد أكد كيرى، خلال زيارته الأسبوع الماضى لتركيا وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، أن السلام يمثل مصلحة أمنية أمريكية وهى مصلحة يقع فى القلب منها كف يد الجهاديين الإسلاميين عن الأهداف الأمريكية واستيعابهم فى الأطر السياسية فى بلدانهم. أعدكم بمواصلة اختبار صحة تصورى حول الصفقة الأمريكية الإسلامية وجمع الأدلة على صوابه أو خطئه.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.