The United States: Yesterday and Today

<--

ثارت الضربات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة موجة من التساؤلات والتعليقات عن مستقبل هذه الدول العظمى وما ينتظرها داخلياً وخارجياً، من إشكالات تفوق طاقتها التي كانت إلى وقت قريب تبدو على درجة عالية من التفوق، إضافة إلى ما تتعرض له من انحسار اقتصادي وانهيارات غير مسبوقة على أكثر من صعيد . ويلاحظ أن الكبرياء التي تتلبس الدول العظمى تجعلها لا تعترف بسهولة ما تعانيه، كما لا تسارع إلى اتخاذ إجراءات وقائية كالتخفيف من أعباء التمدد الخارجي ولما يترتب عليه من تبعات وتكاليف باهظة .وربما يظن ساستها أن في هذا التمدد والانتشار ما يصرف أذهان شعب الولايات المتحدة عن واقعه الداخلي الأليم الذي يتجه بسرعة نحو مزيد من الضائقات الاقتصادية والأمنية .

ومن المؤكد أن الأجيال القديمة في الولايات المتحدة تعيش حالة من التبرم، ويزيد غضبها حين تقارن ما كان عليه حال هذه الدولة العظمى قبل أن تخرج من مكمنها الآمن وتدخل في منافسات مع الدول الاستعمارية العتيدة على مناطق النفوذ . وفي مقدور تلك الأجيال القديمة أن تتذكر كيف كانت الدولة الأمريكية نموذجاً للديمقراطية وحقوق الإنسان التي لم يعد منها في الواقع سوى الشعارات بعد أن تحولت الدولة إلى إمبراطورية ترفع راية العدوان والتوسع وتبحث عن مناطق نفوذ على اتساع الأرض، وهو ما قادها ويقودها إلى نظام شمولي بوليسي لا يختلف كثيراً عن تلك الأنظمة القمعية والشمولية التي كانت تعارضها وتحشد في وجهها عشرات الشعوب الحالمة بالديمقراطية والعدل .

وما حدث منذ أيام قليلة في بوسطن وفي مدن أمريكية أخرى من جرائم محلية الصنع وإرهاب عليه الطابع الأمريكي، يدفع بكثير من الساسة ومراقبي الأحداث إلى القول بوضوح، إن هذه الدولة العظمى أو بالأصح الإمبراطورية الجديدة، تشرب من الكأس التي كانت تسقي بها شعوباً كثيرة في هذه الأرض التي باتت ترتجف من الخوف وتبحث عن طوق النجاة في ظهور عالم جديد بلا حروب ولا نزاعات دولية من أجل مصالح آنية لا يمنع الحصول عليها من وقوع الكارثة التي توشك أن تقع وأن تكون الدول الكبرى هي وقودها الأول بما اكتنزته من أسلحة الدمار من ناحية، وبما تمارسه من خطايا يومية في حق مواطنيها وغيرهم من مواطني الشعوب الأخرى الذين يعانون من تدخلها المباشر وغير المباشر .

وإذا كانت الولايات المتحدة قد بدأت تئن من الإرهاب، ومن إرهابها المحلي ذي الطابع الأمريكي الصرف، فإنها لابد أن تتذكر أنها أول من رعى الإرهاب الدولي وأشرف على تنظيم جماعاته، وأنها ارتكبت في العراق وأفغانستان ومن قبل في فيتنام، من الفظائع نادرة المثال ما لا يمكن نسيانه أو محوه، وفي هذا ما يذكّرنا بقول شاعر حكيم معاصر يختزل فيه حال من يلذ له ارتكاب الشرور ثم يقع ضحية لها:

من بات يستحلي الشرورَ

يموت من تلك الشرورِ .

About this publication