Russian-American Interests

<--

مصالح روسية – أمريكية

بقلم – جورج علم : أقرّت الولايات المتحدة بدور لروسيا في الشرق الأوسط، كان هذا وحده كاف ليخرج إسرائيل عن طورها، عبّرت عن غضبها من خلال الغارات التي شنّتها على مواقع قرب دمشق، والهدف دفع المنطقة الى مواجهة شاملة تنسف سلم التفاهمات ما بين واشنطن وموسكو، إلاّ أن وزير الخارجيّة الأمريكي جون كيري أصرّ على زيارة الكرملين، وعقد جولات ثلاث من المحادثات الصعبة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، والرئيس فلاديمير بوتن، قبل أن يجول في الساحة الحمراء ويغادر على أمل المزيد من المشاورات والتفاهمات.

إنها القمة المرتقبة بين الرئيسين باراك أوباما وبوتن، وحولها يتمحور هذا الحراك الدبلوماسي، ويبقى العنوان الأبرز سوريا والشرق الأوسط، فيما الجهد العملي ينصب على بحر الصين، والكوريتين، والاقتصاد العملاق في القارة الصفراء، مقابل تداعيات الأزمة الاقتصادية – المالية التي يعاني منها الغرب الأمريكي والأوروبي، وكيفيّة خلق توازنات جديدة متكيّفة مع أحجام التحديات الماثلة. للكبار انشغالاتهم، وللعرب والمسلمين انشغالات من نوع آخر، إننا نعيش عرس الربيع العربي “الوارف” بالحريّة والديموقراطيّة، و”الزاهي” بالأحمر القاني، وليس بالقليل أن تكون سوريا شغل العالم العربي الشاغل منذ نيف وعامين، حيث الأمة مسمّرة أمام الفضائيات تتابع مسلسل العنف، والخراب، وتبادر الى مدّ العصبيّة الهائجة بالمال والسلاح، فيما الأعين الإقليميّة – الدوليّة تراقب المشهد من منظار أبعد، وأوسع، تتربص بالنفط، وتراقب طرق الإمداد، والثروات الدفينة، وتنظر بحسابات مدققة الى مصير ومستقبل اقتصاديات المنطقة، ودائما من المشهد السوري تحديدا حيث التباين واضح بين من يدعم النظام ومن يدعم المعارضة.

ويبدو هذا الانقسام مطلوبا، او إنه من “عدّة الشغل” حيث تدعم واشنطن الجهد الدولي – الإقليمي – العربي المشترك، والهادف الى تمكين المعارضة، ومساعدتها على تحقيق أهدافها، فيما تدعم موسكو الجهد المغاير الهادف الى دعم النظام. وينشغل العرب بمجريات الأمور، فيما تنشغل كّل من موسكو وواشنطن حول تقاسم الحصص والمغانم. مختلفان في الشكل، متفاهمان في المضمون، متعارضان في وجهات النظر حول النظام ومستقبله، منسجمان في العمق حول كيفيّة اقتسام جبنة المغانم في المنطقة، وأيضا في العديد من المناطق الأخرى في العالم. يتبادلان التهم والسجالات إعلاميّا، ويجتمعان ويتحاوران وينسقان عمليّا، وسيبقى هذا السيناريو مرشحا للاستمرار الى حين التوصل الى تفاهم نهائي حول حجم “الصفقة”، وتفاصيلها على المستويين – الإقليمي والدولي.

ما أنجزه كيري في موسكو كبير وخطير، تفاهم على دور لروسيا في الشرق الأوسط، والوقوف على رأيها في معالجة الملفات المزمنة والمعقّدة. وتفاهم على خريطة جيوسياسيّة – نفطية تستفيد منها موسكو على أن يصار الى تحديد “حجم الكوتا” ومواقع الموارد، وتفاهم حول الأدوار التي ستترك لكل من تركيا وإيران وإسرائيل في المنطقة، وتفاهم حول كيفيّة استيعاب الملفات المعلّقة، وكيفيّة إيجاد الحلول التسووية المؤاتية لها. ماذا عن العرب؟. ماذا عن شؤونهم وقضاياهم، ومصير ومستقبل نفطهم؟، لا شيْ البتة، وقد خرج كيري من الامتحان الذي أخضع له في موسكو بدوّي هائل حول سوريا والنظام، والتسوية، والمؤتمر الدولي لتنفيذ بيان جنيف، في حين أن الملف السوري لم يحظ إلاّ بدقائق معدودة في المحادثات الأمريكيّة – الروسيّة، وكان هذا الضجيج الإعلامي الواسع حول المقررات، وأيضا حول التباينات في المواقف نوعا من “البرباغندا” الإعلامية المطلوبة ليقال بأن الهمّ المشترك كان سوريّا، فيما الحقيقة أنه كان في مكان آخر، كان الاهتمام مصوّبا نحو العملاق الاقتصادي الصيني – الياباني – الكوري، وكيفيّة تدجينه.

دخول إسرائيل على الأزمة من خلال الغارات الجويّة على أهداف قرب دمشق تمّ بعيد دخول حزب الله طرفا في القتال الدائر في منطقة القصير. وجهان لعملة واحدة، كلّ يغنّي على ليلاه، فيما المخطط المرسوم واحد، حزب الله يريد خطّا إستراتيجيّا ما بين طهران ومواقعه في منطقتي البقاع والجنوب، يمر حكما بسوريا، ويشمل دمشق، ومقام السيّدة زينب، والقرى الشيعيّة في منطقة القصير وصولا الى الهرمل، الى… فيما تريد إسرائيل دفع سوريا الى اقتتال طائفي – مذهبي يؤدي بها الى التفتيت، تمهيدا للاستئثار بهضبة الجولان، والاحتفاظ بمزارع شبعا، وإخراجها من المعادلة الدوليّة، وإبطال ما تقوم به بيروت من حراك دبلوماسي على مستوى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن لإثبات لبنانيتها وحق ملكيتها. واللافت لا بل المستغرب أن موسكو لم تتدخل لردع إسرائيل عندما أغار طيرانها الحربي على سوريا، رغم علاقتها بالنظام ودعمها القوي له. بدورها لم تتدخل واشنطن لردع حزب الله إثر تورطه في منطقة القصير، رغم أنها تهدده وتتوعده إعلاميّا، وكأن العاصمتين متفقتان ومتفاهمتان على السيناريو والإخراج، ولا مانع من استمراره طالما أن مصالحهما مؤمنة، والوضع مؤات حيث يرفض الائتلاف المعارض أي حوار قبل رحيل الأسد، فيما يردّ النظام بالاستمرار في القتال حتى دحر”المؤامرة والمتآمرين”. سوريا في هذه الحال لن تكون أفضل من المصير الذي آل اليه العراق، هناك كان التدخل الأمريكي – البريطاني، وهنا في سوريا ليس من مانع أن يكون هناك “كوكتيل” من التدخلات من “جبهة النصر” وتنظيم “القاعدة”، الى حزب الله وإسرائيل، الى إيران وتركيا… الى المزيد من الانشغالات العربيّة في قضايا الثورات والانتفاضات، فيما المبضع الدولي يعيد رسم حدود كيانات النفط الملحقة بالدول الكبرى التي يتمدد أخطبوطها ويفلش أذرعه الطويلة المتمكّنة بشكل جيد ومحكم ليمصّ عافيتها ببراعة وإتقان؟!.

About this publication