America Spies on Europe

<--

طالب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الولايات المتحدة بالوقف الفوري لأعمال التجسس على حلفائها، وقال: “لا يمكننا قبول هذا السلوك بين الشركاء والحلفاء، ونطالب بالوقف الفوري له” . مضيفاً أنه تم جمع ما يكفي من العناصر كي تطلب باريس تفسيرات من واشنطن . وكانت المفوضية الأوروبية أعلنت في بيان لها الأسبوع الماضي، أنها اتصلت بالمسؤولين الأمريكيين في واشنطن وبروكسل للاستفسار منهم عما نشرته مجلة “دير شبيغل” الألمانية التي اتهمت الاستخبارات الأمريكية بالتجسس على بعثات الاتحاد الأوروبي، وعلى مكالمات ورسائل الأوروبيين . وكانت هذه الصحيفة نقلت عن وثائق أمريكية سرية أن الولايات المتحدة تتنصت على نصف مليار من الاتصالات، ورسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصية في ألمانيا شهرياً . وكانت هذه الوثائق كشف عنها المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكي، والهارب حالياً إدوارد سنودين . وقد أثار الكشف عن هذه الوثائق حرجاً كبيراً للمسؤولين الأمريكيين الذين حاروا في الجواب، وادعوا أنه إذا كان هناك تجسس فهو فعل فردي، وأنهم لا يعلمون به . والحقيقة أن الولايات المتحدة لا تتجسس على أوروبا فقط، بل على العالم أجمع، فضمن مخططها الرامي إلى حكم العالم عملت على ربط جميع الدول بها عبر الاتصالات، التي يوجد مقرها الرئيس على أرضها، وقامت ببناء خوادم إلكترونية “servers” عملاقة في أطلنطا، وفي مدينة الإنترنت التي تسمى “وادي السيليكون” في كاليفورنيا . ويستطيع كل خادم منها إنجاز 5 تريليونات عملية في الثانية الواحدة . ومهمة هذه الخوادم تسجيل كل الاتصالات الدولية سواء الهاتفية منها أو الإنترنت . وتتم بعد ذلك عمليات التصفية، وفق خطة إلكترونية معقدة تفرز كل نوع من الاتصالات على حدة . فالأحاديث عن العلاقات الاجتماعية توضع في مكان مختلف عن أحاديث السياسة والسياسيين، والصراعات السياسية في مختلف الدول توضع في مكان آخر . والأحاديث عن التجارة والتبادلات التجارية والعمليات الاقتصادية توضع في مكان ثالث، وهكذا إلى آخر ما هنالك من النشاطات البشرية المختلفة . وبعد ذلك تقوم هذه الأجهزة بإجراء دراسات متقاطعة وإعطاء نتائج مختصرة عن كل جانب من جوانب الحياة في دول العالم، لأجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تقوم بدراستها بدقة لتحديد الاتجاهات العالمية، وإمداد صانع القرار الأمريكي بما يحتاجه من معلومات لاتخاذ القرار المناسب في كل شأن دولي . ويعمل في وكالة الأمن القومي ملايين الأمريكيين، وهؤلاء يفرزون المعلومات وفق الخطط الموضوعة . ويشكل وجود مركز الاتصالات العالمي على الأرض الأمريكية فرصة ملائمة للتجسس على جميع الاتصالات الدولية، ومن أي مكان في العالم عبر وضع مصافي على الخوادم المستقبلة للاتصالات، وتحويلها إلى خوادم أخرى لمعالجتها . وفي عام ،2005 تم طرح موضوع السيطرة الأمريكية على مركز الاتصالات الدولي في أروقة الأمم المتحدة، وطالبت الصين والهند وروسيا بأن يتم جعل مركز الاتصالات الدولي تحت إدارة دولية، بهدف تعميم المنفعة على مختلف الدول بدلاً من أن تحتكر الولايات المتحدة هذه المنفعة وحدها، لكن دول الاتحاد الأوروبي وقفت إلى جانب الولايات المتحدة، وعارضت هذا الاقتراح . وفي يونيو/ حزيران عام ،2012 جددت روسيا والصين المطالبة برفع يد الولايات المتحدة عن الشبكة الدولية، لكن النواب والمسؤولين الحكوميين الأمريكيين رفضوا وضع شبكة الإنترنت تحت رقابة منظمة الأمم المتحدة الدولية، وقال المسؤول في وزارة الخارجية فيليب فيرفيير -المكلف بتنسيق تكنولوجيا الإعلام-: “أثناء كل اللقاءات والاجتماعات الثنائية التي شاركنا فيها، رفضنا بشدة أي محاولة لتوسيع نطاق الرقابة على الإنترنت إلى ما هو أكثر من الحكومات” . وأضاف أن “حصول مثل ذلك من شأنه أن يقضي تماماً على ديناميكية الإنترنت” . من جانبها، أعلنت لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب الأمريكي، التي جرت أمامها جلسة الاستماع، أن “فرض رقابة من الأمم المتحدة على الإنترنت، يمكن أن يعرض حيويتها للخطر، وكذلك المنافع الاقتصادية والاجتماعية التي تفيد المعمورة أيضاً” . ولا شك في أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تحتكر إدارة الشبكة الدولية من أجل الحصول على نسبة من خدمة الاتصالات باعتبار أنها تقدم الخوادم، ومن أجل التجسس أيضاً، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، هل ستغير دول الاتحاد الأوروبي موقفها، بعد فضيحة التجسس هذه، فتقف إلى جانب الدول المطالبة بوضع الاتصالات تحت إدارة دولية، أم أن خلافها الحالي مع الولايات المتحدة ليس أكثر من سحابة صيف؟

About this publication