America the Abused

<--

يشعر المرء بالتعاطف مع أميركا أمام هذا القدر من النفاق والكذب الذي تمارسه النخب العربية في الحكم والمعارضة، وعلى وجه التحديد النخب السياسية السورية والمصرية.المعارضة السورية وفي سعيها لشيطنة نظام الأسد، وحشد الشعوب العربية ضده، لا تجد وسيلة أفضل سوى الترويج لدعم أميركا للنظام السوري، وأن هذا الدعم، أو التردد في الموقف السياسي هو سبب صمود النظام كل هذه المدة. وتسوق البراهين على ذلك دون أن تنسى الربط بين الموقف الأميركي “المتخاذل” ومصالح إسرائيل.النظام السوري هو الآخر يلجأ لنفس”العدة” مع خصومه؛ فهم عملاء لأميركا أيضا، وأدوات لتنفيذ مخطط” أميركي صهيوني” لضرب سورية، وتفكيكها.والحقيقة-وهنا يتجلى النفاق بأبهى صورة- أن طرفي الصراع “استقتلا” لنيل الدعم الأميركي؛ النظام راهن على دوره التاريخي في تأمين استقرار جبهة الجولان، لإقناع الولايات المتحدة بعدم التدخل لصالح المعارضة، بما يعرّض أمن اسرائيل للخطر. وفي أكثر من مناسبة استخدم نظام الأسد ورقة القاعدة لاستمالة أميركا إلى جانبه، وتأليبها على المعارضة “التي يسيطر عليها المتشددون”. والمعارضة لم توفر منبرا إعلاميا أو دوليا إلا طالبت من خلاله بتدخل الولايات المتحدة لإسقاط النظام السوري. وما من رئيس لائتلاف المعارضة لم يحرص على التقاط صورة تذكارية مع وزير الخارجية الأميركي. وفي اجتماعات أصدقاء سورية و”أحبابها” كان أغلب المعارضين يظهرون كأتباع للسفير الأميركي السابق في دمشق “فورد”. ناهيك عن المساعدات اللوجستية والمالية والعسكرية التي تلقتها المعارضة من أميركا. في مصر وما إن بدأت تلوح في الأفق بوادر الصدام بين الجيش ونظام مرسي، حتى دخل الطرفان في سباق لكسب ود الجانب الأميركي. في العلن يدعون عكس ذلك بالطبع؛ القوى المعارضة لمرسي استخدمت اسم أميركا بشكل مفرط لإقناع الرأي العام بأن مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يحظون بدعم مطلق من الإدارة الأميركية، وساقت عشرات الأدلة على الدعم الذي تقدمه سفيرة واشنطن في القاهرة آن باترسون لمرسي، ووصفها البعض بأنها المساعد الأول للرئيس المعزول.جماعة الإخوان المسلمين ومنذ اليوم الأول لعزل مرسي اعتمدت نظرية المؤامرة الأميركية كأساس لحملاتها السياسية والإعلامية لحشد الرأي العام في صفها. في الواقع استثمر الطرفان بشكل كبير حالة العداء لأميركا في أوساط العرب والمسلمين للفوز في المعركة. لكن جماعة مرسي والمعارضة “المدنية” كليهما يكذبان على الجمهور، لأنهما في الواقع سعيا بشتى الطرق لكسب رضاها؛ الإسلاميون ومنذ أن استلموا السلطة سيروا الوفود إلى واشنطن وعواصم الغرب لتعميق “أواصر الصداقة”؛ في عهد مرسي استضافت المخابرات المصرية ضباط جهاز الموساد الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات الأميركية لإتمام الهدنة في غزة. وفي ليلة “الانقلاب” كان عصام حداد يضغط بكل أوراقه لانتزاع إدانة أميركية لما حدث.المعارضة المصرية “استموتت” على أبواب البيت الأبيض؛ دفعت بكل رجالها من أصدقاء أميركا للحؤول دون وصف ماحدث بالإنقلاب، والفوز ولو بتصريح مقتضب من المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أو البيت الأبيض يدعم خيارت الشعب “الذي نزل بالملايين للشوارع”.في الحالتين أميركا هى الخاسرة، فمن يخطب ودها في السر يهاجمها في العلن، ما يزيد من منسوب الكراهية ضدها عند الجمهور العربي، والذي يبدو هو الآخر في حالة انفصام؛ أنصار المعارضة يصدقون كلامها، ومؤيدو الأنظمة يهللون لنظرية المؤامرة

About this publication