يعرف المتابعون للتحولات الإنسانية والاجتماعية أن التطرف فى الشىء، ربما يؤدى إلى تطرف مضاد فى عكس هذا الشىء، وكثيرون منا يعرفون أشخاصًا كانوا متطرفين «دينيًا» يتبعون الجماعات المتشددة ويتعصبون إليها ويتمسكون بمظاهرها الشكلية، ثم أصبحوا متطرفين «دنيويًا» لا يقيمون للدين وزنًا ولا يتبعون أي مواثيق أخلاقية أو اجتماعية، كما يعرف الكثيرون منا أشخاصًا كانوا غاية فى الفجر والانحلال، ثم تحولوا إلى زاهدين عابدين، وهى الظاهرة التى يلخصها القول «الأطراف فى تماس» وفى ذلك يقول المفكر المصرى الراحل عبدالرحمن بدوى: إن عنف القديس بولس كان نتيجة لإنكاره لعنف إنكاره للمسيحية، وعنف الحياة التقية لدى القديس أوغسطين كان لازما طبيعيا لعنف الحياة الشهوانية الحسية التى حياها قبل تحوله إلى الإيمان كما أنه كان يرى أن انغماس «رابعة العدوية» فى اللهو والفجور كان من أكبر العوامل الدافعة لزهدها فيما بعد، وبرغم اعتراضى على ما قاله فى شأن رابعة العدوية وتأكيدى على هذا فى مقال سابق لكن هذا لا يمنع من أنى أعتقد نفس ما اعتقده «بدوى» فى مسألة أن «الأطراف فى تماس» بل إنى أرى أن هذه النظرية تصح أن تكون تفسيرا لما نعاينه الآن من اضطرابات. اتساقا مع هذه النظرية، أرى أن حالة التقدم التكنولوجى الكبير التى تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية وذلك «التطرف» فى اتباع المنهج العلمى دفعاها إلى تمثل روح الإنسان البدائى الذى كان يخاف من الطبيعة والرياح والأمطار والأعاصير والحيوانات فيتخيل أن لها آلهة راعية، مجسدًا هذه الآلهة فى تماثيل أو محاريب ثم يؤدى من أجلها الصلوات ويقيم لها الشعائر ويقدم لها القرابين والأضحيات، وهو الأمر الذى تجده متحققا تماما فى موقف باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من جماعة الإخوان فى مصر وجماعات الإسلام السياسى فى العالم، فما حدث فى 11 سبتمبر جعل الأمريكان وعلى رأسهم أوباما يتخيلون أن هناك «آلهة» للإرهاب فى العالم وأن عليهم ترضيتها ونيل بركتها بتقديم العون والأموال والنصائح والدعم السياسى العالمي، وذلك من أجل ألا تكرر فاجعة 11 سبتمبر التى قلبت موازين القوى العالمية. هكذا تصبح الدولة الأكثر تقدمًا فى العالم هى الدولة الأكثر بدائية فى العالم، مع وجود فارق وحيد بين ما كان يفعله الإنسان البدائى قديما وما يفعله أوباما الآن، ألا وهو أن الإنسان البدائى كان يقدم القرابين للآلهة مما تحصده يداه أو مما يصطاده بمجهوده، أما أوباما فإنه يقدم بلادنا وأرواحنا ومستقبلنا وتاريخنا للإرهابيين على طبق من فضة، ما يعنى أن من لا يملك أعطى من لا يستحق، والسبب الأول فى هذا هو الخوف البدائى الذى تملك من أوباما فجعل رئيس أكبر الدول تكنولوجيا فى العالم يعتقد نفس ما كان يعتقده إنسان الكهف بكل بدائيتها وأسطوريتها، ما يدل على أن أوباما لم يستوعب درس الحداثة الذى يطنطن به، وبدلا من أن يقف أمام آلهة الإرهاب متحديا إياها، ظهر فى صورة الإنسان الأول الذى يرتعد أمام عوامل الطبيعية وحيواناتها المفترسة، ما يؤكد أن أمريكا تفتقد إلى التحضر والمدنية وأن قشرتها التكنولوجية العلمية سرعان ما ذابت أمام أول تهديد حقيقى، تاركا مهمة القضاء على أساطير الإرهابيين إلى أصحاب الحضارة الحقيقية الذين أوكل الله إليهم مهمة حمل مسؤولية البشرية.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.