حسب خبرتي فإنه إذا تمت مهاجمتك بسبب دبلوماسيتك من اليسار واليمين ومن الحمائم والصقور ومن الدوليين والانعزاليين، فاعلم أنك ربما تكون محقاً في ما تفعل، وفي خضم التعليقات الكثيرة على الصفقة الأمريكية – الروسية هذا الشهر، والمتعلقة بالأسلحة الكيماوية السورية، فإن القليلين كانوا مستعدين لوصفها بالصفقة الرابحة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والشعب السوري، ولكن على أقل تقدير حتى تاريخه فإنها كانت بالفعل صفقة رابحة بالنسبة لهؤلاء . إن الرئيس أوباما وفريقه بالرغم من بعض العثرات يستحقون معظم التقدير .
إن صحيفة الاتهام ضد أوباما في ما يتعلق بسوريا طويلة، فلقد قيل إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتخذ إجراءات حاسمة، بينما لقي 100 ألف سوري حتفهم، كما أنه لم يكن لديها استراتيجية لإنهاء الصراع . لقد خلق أوباما توقعات بأن الولايات المتحدة سوف تتصرف لو تم استخدام الأسلحة الكيماوية، ولكن عندما حانت تلك اللحظة لجأ للماطلة، ولاحقاً عندما أصبح من غير الممكن تجنب الرد قام بالتهديد بشكل مبالغ به وبقوة عسكرية متواضعة جداً، ولم يهتم في البداية بالمعارضين المحليين للتدخل، وبعد ذلك اهتم بهم كثيراً، وفوق ذلك كله سمح للكرملين الساخر أن يتفوق على الولايات المتحدة دبلوماسياً .
لكن انظر للقيود . لم يكن للتدخل العسكري الأمريكي بأي شكل كان في أية مرحلة خلال الأزمة، حتى اندلعت قضية الأسلحة الكيماوية أن ينقذ أرواحاً أكثر من تلك التي سوف يعرضها للخطر . إن تزايد نفوذ “الجهاديين” ضمن قوات الثوار جعلت دعم المعارضة لتحقيق نصر صريح لا يمكن الدفاع عنه بشكل متزايد . لم يكن هناك وبكل بساطة أدلة قوية على استخدام الرئيس بشار الأسد للأسلحة الكيماوية، على الأقل قبل مجزرة الغوطة في أغسطس/ آب، مما قد يضغط على روسيا – سواء في مجلس الأمن او محكمة الرأي العام – لإعادة النظر في دعمها التلقائي للنظام .
بينما بقيت الإدارة الأمريكية مصممة على المحافظة على الدور القيادي الأمريكي في الرد – بقوة عند الضرورة – عند حدوث الفظائع الجماعية (أجندة مسؤولية الحماية) فإن عقداً من القتال في العراق وأفغانستان جعل الأمريكان يرتابون من الحروب بشكل كبير، وهذا ينطبق بشكل عام على الغرب، كما ظهر في التصويت البرلماني البريطاني ضد المشاركة في أي تدخل، وبالنسبة لكل الناس تقريباً فإن “الحسم” عند جورج بوش الابن جعل التردد يبدو كخيار أفضل .
إذا أخذنا هذه المعطيات بعين الاعتبار لوجدنا أن أوباما حقق إنجازات تتمثل في قدرته على تجنب السقوط في جحيم الأسلحة الكيماوية، علماً أن من شبه المؤكد أن يكون ذلك السقوط دائماً ونظام الأسد يعرف أنه لم يعد لديه أي أصدقاء أو حماة لو قام بتجاوز ذلك الخط الأحمر مجدداً . لقد تم تجنب التدخل العسكري مع جميع مشاكله في الوقت الراهن ولكن الأسد يعلم أنه لن يكون للولايات المتحدة أي خيار سوى الهجوم – سواء بقرارات واضحة من مجلس الأمن والكونغرس أو من دونها – لو قام بارتكاب واحدة من تلك الفظائع مجدداً .
فوق ذلك كله فإن التعاون الدبلوماسي المتعلق بالأسلحة الكيماوية قد فتح الباب أخيراً لتسوية يتم التفاوض عليها للصراع الكامن في سوريا، وعادت الأمم المتحدة إلى مركز الصدارة، كما يتطلب النظام العالمي المبني على أساس المبادئ أن تكون في مثل تلك القضايا، حيث أصبح دور مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة ومجلس الأمن حيوياً بالنسبة للتطورات المستقبلية .
نعم لقد كانت هناك بعض الأشياء التي كان يتوجب عملها بشكل مختلف، وهذا من طبيعة الأمور . لو لم يتم تنفيذ التدخل المبرر في ليبيا من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بمثل هذا التجاهل التام للمخاوف الروسية والصينية والدول النامية عن تجاوز التفويض، لكان بالإمكان تحقيق إجماع أكبر في ما يتعلق بسوريا في مجلس الأمن سنة ،2011 عندما كان يمكن أن يبعث مجلس الأمن برسالة موحدة كان من الممكن أن توقف الأسد عند حده .
إن الذهاب للكونغرس للحصول على الموافقة عادة ما ينطوي على مخاطر تفوق المكاسب . إن وصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للرد العسكري المحتمل على مجزرة الغوطة على أنه “محدود للغاية”، كان له تأثير سلبي للغاية في استخدام التهديد الأمريكي في جعل المسؤولين السوريين والروس يركزون على الموضوع . لقد كان من الممكن للإدارة الأمريكية أن تساعد نفسها بشكل أكبر لو أنها قامت بتوضيح أن الرد التعاوني لاستخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية كان دائماً مطروحاً على الطاولة، ولم يكن فقط نتيجة الدبلوماسية الروسية الانتهازية الحاذقة رداً على الفقاعة الفكرية التي أطلقها كيري .
إن الذي جعل تجاوز تلك العثرات ممكناً ومكّن كل طرف من التركيز على الفرص بدلاً من الأعذار هو أن الولايات المتحدة وروسيا يدركان الآن أن لديهما مصالح مشتركة في سوريا . إن الطرفين لا يرغبان في منع نظام الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية مجدداً فحسب، ولكن أيضاً لديهما الرغبة في إيجاد مسار لسلام مستدام في سوريا، وإعادة فرض سلطة الأمم المتحدة مع مزايا الأمم المتحدة في مثل هذه المواقف .
بالطبع يجب أن نخفف من التفاؤل، فالكثير من الأخطاء يمكن أن تحدث في الفترة القادمة، فمثلاً الأسد المحاصر او المعارضة التي تزداد يأساً يمكن أن ينهيا الصفقة على الأرض . إن المقاربة الجديدة الهشة بين الولايات المتحدة وروسيا يمكن ألا تصمد، خاصة إذا أصرت الولايات المتحدة مجدداً – بعد أن كسرت صمتها المفيد مؤخراً – بأنه لا مكان للأسد على طاولة المفاوضات .
لكن عندما تتعاون القوى الكبرى في قضية عادلة يصبح العالم أكثر أمناً وعقلانية وهو ما يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا – والصين فيما يتعلق بهذه المسألة – عمله . لو كان حذر أوباما ومرونته هما اللذان أوصلانا لهذه النقطة، فإن من الأفضل أن نشيد به لأنه يستحق مثل هذه الإشادة .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.