Edited by Thomas Phippen
لدي قناعة راسخة بان لقاء بوتين- اوباما على هامش قمة العشرين في بطرسبرغ،لم يقد فقط الى اتفاق حول وضع ترسانة سوريا الكيماوية تحت الإشراف الدولي تمهيداً لتدميرها حتى آواخر العام القادم،بل أنا على قناعة تامة بأن هذا الإتفاق قد شمل العديد من القضايا الإقليمية والدولية، بما فيها الملف النووي الإيراني، وقضية التسوية السياسية على الجبهة الفلسطينية – الإسرائيلية، وكذلك الملف النووي الكوري الشمالي.
وهذا الاتفاق املته ظروف، إستعادة الدب الروسي لعافيته، وفرض نفسه كمنافس قوي للولايات المتحدة الأمريكية على قيادة العالم، فالتراجع الأمريكي عن ضرب سوريا ما كان ممكناً لولا صمود سوريا ودعم حلفائها الإقليميين والدوليين (ايران وروسيا والصين، وكوريا الشمالية) وامريكا التي بعد عدوانها على العراق رسخت نفسها، كشرطي ومتحكم وحيد في العالم، فقدت تلك القدرة والسيطرة، حيث ان حروبها الخارجية، أنهكت اقتصادها، وهذا الإنهاك قد افرز الأزمة المالية للرأسمالية العالمية(2008)، ولكي تخرج اميركا من ازمتها كانت تقول بأنها تحتاج لحرب تخرجها من هذه الأزمة،وتكرس زعامتها الآحادية للعالم، ولكن الظروف التي مكنتها من شن عدوانها على العراق، وفرض زعامتها كشرطي لهذا العالم، لم تعد قائمة والحرب على سوريا، في ظل هذه المتغيرات لم تعد مضمونة، فقد تخفق في تحقيق أهدافها، لجهة ضمان امن اسرائيل وحمايتها، وتأمين حاجة امريكا واوروبا الغربية من النفط، فأمريكا اخفقت في اقناع الروس عبر بندر بن سلطان عراب الحرب على سوريا، في التخلي عن النظام السوري مقابل (15)مليار دولار وتسهيلات اقتصادية اخرى، وفلتمان مهندس السياسة الأمريكية الشرق اوسطية والمبعوث الأمريكي العماني،فشلا ايضا في اقناع ايران بعدم المشاركة في الحرب الى جانب سوريا مقابل رفع العقوبات الدولية عنها واعطائها نفوذاً في سوريا ولبنان وفلسطين،كما هو الحال في العراق.
وأيضاً لم تنجح الضغوطات على حزب الله لتحييده.ولذلك شعرت امريكا بأن هذه الحرب، قد تجلب لها المزيد من التدهور في مكانتها الدولية،وبالتالي لا بد من التسليم بأن قيادتها المنفردة للعالم لم تعد ممكنة، فهناك احلاف وتكتلات إقتصادية دولية تتشكل، فعدا عن الحلف الروسي- الصيني – الهندي ودول البركس، فهناك التكتل في امريكا اللاتينية، والتكتل الاقتصادي الآسيوي، روسيا والصين وازبكستان وقرغيزيا وطاجكستان ومعهم بصفة مراقب الهند وايران وباكستان وافغانستان ومنغوليا وغيرها.
كل هذه التكتلات أصبحت نداً قويا للاتحاد الأوروبي ولأمريكا، وهي حتماً ستقود الى متغيرات على الصعيد الدولي،تجاه إعادة تقسيم العالم بين روسيا وامريكا، ففي الحرب العالمية الأولى قسمت دول الإستعمار الغربي العالم فيما بينها وكرست بريطانيا العظمى كزعيمة للعالم،ولكن سيطرة بريطانيا على العالم بالقوة، وما خاضته من حروب وتدخلات في العديد من الدول، انهك إقتصادها وقاد الى أزمة اقتصادية جادة” الكساد الإقتصادي” الكبير عام (1929 )، هذا الكساد كان يعني ان على الدول الرأسمالية، ان تخوض حرباً من اجل الخروج من هذا الكساد وتلك الأزمة، وهي التي قادت الى صعود النازية الى الحكم في المانيا والفاشية في ايطاليا واسبانيا، فكانت الحرب العالمية الثانية، والتي شاركت فيها الولايات المتحدة متأخرة، ومن خلال تلك المشاركة والقائها القنابل الذرية على ناغازاكي وهيروشيما، إستطاعت ان تنزع قيادة العالم من بريطانيا، ولتصبح الشرطي المتحكم فيه، ، وتشعل الحروب، وتقلب انظمة حكم ديمقراطية منتخبة، لصالح ديكتاتوريات، تسير في ركبها وتخدم مصالحها، وطوعت مؤسسات الشرعية الدولية من مجلس امن وجمعية عامة وغيرها لخدمة اهدافها ومصالحها، وكانت لا تقيم لها وزناً عندما يتعارض ذلك مع مصالحها واهدافها.
وكذلك كانت مؤسسات النهب الدولية التجارة العالمية والبنك وصندوق النقد الدولتين، خادمة لسياساتها واهدافها، ولكن تورطها في افغانستان والعراق على وجه الخصوص انهك إقتصادها، وكانت الأزمة المالية العالمية (2008)، تلك الأزمة، كان لسان حالها يقول،بأن الدول الرأسمالية بحاجة إلى حرب لكي تخرج من ازمتها، ولكي تمكن امريكا من إعادة تثبيت زعامتها الاحادية للعالم، ولكن الوقائع على الأرض،كانت مغايرة، فلا ضمانات بأن تخرج امريكا من تلك الحرب كقائدة للعالم، وضامنة لوجود وامن اسرائيل وإستمرار تدفق النفط كشريان حيوي للطاقة بالنسبة للغرب، ولذلك بدات امريكا تفكر بطريقة تنزلها عن الشجرة، بعد ان إتخذت قرارها وحشدت أساطيلها وبوارجها وطائراتها لضرب سوريا، كعاقب لها على إستخدام مزعوم للسلاح الكيماوي، وليمد لها الروس وبوتين حبل النجاة، بمقترح وضع ترسانة سوريا من السلاح الكيماوي تحت الإشراف الدولي تمهيداً لتدميرها حتى آواخر العام القادم، وهذا الإتفاق ما كان له ان يكون لو ان امريكا كانت قادرة على شن حرب تدميرية على سوريا، دون ان تدفع ثمن ذلك عالياً.
هذا الإتفاق صحيح انه يشكل ضمانة لأمن اسرائيل من السلاح الكيماوي السوري، ولكن لا يحميها من ترسانة سوريا الصاروخية، ولا يفكك تحالفها مع ايران وحزب الله.
إنني على قناعة تامة بأن هناك الكثير من التطورات والمتغيرات، سترافق الإتفاق الروسي- الأمريكي، تطورات وتغيرات وتبدل في الأدوار والمواقف، ومحاولة للتكيف مع تلك التطورات والمتغيرات، وتقدم روسي – أمريكي على صعيد إعادة إنتاج إتفاق يالطا (2) إعادة إقتسام العالم من جديد، ولكن عملية الإقتسام لن تعطي لأمريكا حصة الأسد، ولن تكون سيدة العالم فيه، بل ستصبح قطباً في عالم متعدد الإقطاب، تتقدم فيه روسيا نحو سيادة العالم إيذاناً بنهاية العصر الأمريكي.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.