America: Closing the Government Today and the Bases Tomorrow?

<--

فعلتها حكومة أكبر اقتصاد في العالم . أغلقت دوائرها الفدرالية وعطلت عمل اكثر من 800 ألف موظف في إجازة غير مدفوعة الأجر . الإغلاق طاول خدمات ومؤسسات حكومية مهمة كوكالة الفضاء (ناسا) ووكالة حماية البيئة ومؤسسات الصحة العامة القائمة بالابحاث الطبية، كما جرى إقفال المتاحف والحدائق والمدافن العسكرية في العالم حيث سقط ألوف الجنود الأمريكيين في الحروب العالمية والإقليمية التي شنّتها الولايات المتحدة أو انخرطت فيها .

سبب الأزمة رفض مجلس النواب، حيث الغالبية للجمهوريين، لمشروع ميزانية العام 2014 التي كان أجازها مجلس الشيوخ، حيث الغالبية للديمقراطيين، وتضمنت اعتمادات لقانون الضمان الصحي الذي كان أقره الكونغرس العام 2010 واصبح، بحق، أبرز انجازات الرئيس باراك أوباما .

لماذا تسبّب الجمهوريون بإغلاق الحكومة؟

لأنهم يتهمون أوباما بأنه اشتراكي، بل يساري راديكالي، وانه يسعى إلى توسيع إنفاق الحكومة على الخدمات العامة .

الجمهوريون هم من دعاة دولة أقل وحرية اكثر، بمعنى تحجيم إنفاق الدولة عموماً وعلى الخدمات الاجتماعية والصحية خصوصاً، فيما الديمقراطيون، ولاسيما رئيسهم أوباما، ينتهجون سياسية اجتماعية منفتحة ولمصلحة اكثر من 50 مليون أمريكي يستفيدون من الضمان الصحي .

الإنفاق على الرعاية الاجتماعية يقتضي فرض ضرائب اكثر ولاسيما على القادرين، وهم في غالبيتهم من المحافظين . لذلك يريد الديمقراطيون فرض ضرائب اكثر فيما الجمهوريون يريدون ضرائب أقل . لذلك لم يتأخر اوباما في اتهام خصومه الجمهوريين القيام ب”حملة ايديولوجية” “أصابوا خلالها الحكومة بالشلل لمنع ملايين الامريكيين من إمكانية الحصول على العلاج بكلفة معقولة” .

فيما تبقى دولة اكبر اقتصاد في العالم بلا ميزانية ولا حكومة، يتذكر الأمريكيون أن أزمة مشابهة حدثت في عهد الرئيس بيل كلينتون ودامت 21 يوماً . غير ان أزمة أخرى لعلها أخطر تنتظر الولايات المتحدة ومواطنيها وحتى دول العالم قبل حلول 17 اكتوبر/تشرين الأول الجاري: انها مشكلة تعلية السقف المتاح للاستدانة فوق 7 .16 تريليون دولار الذي يوازي اكثر من 108 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي . اذا اخفقت ادارة اوباما في الحصول على موافقة من الكونغرس لتعلية سقف الإنفاق المذكور فقد تعجز الولايات المتحدة عن الإيفاء بجميع موجباتها . يقول محللو وكالة “ستاندرد اند بورز” “S&P” إن هذا الوضع قد “يؤدي تلقائياً الى عقوبة تصنيف البلاد بدرجة التخلف الانتقائي عن السداد، فيما تصنيفها اليوم “+AA” .

إلى اين من هنا؟

في رأي بول كروغمان، الاقتصادي الأمريكي الفائز بجائزة نوبل العام ،2009 فإن مشكلة الولايات المتحدة اليوم هي في نظامها السياسي غير الفعال الذي يسمح للجمهوريين بالتهديد بفرض تعطيل حكومي على خلفية مطالب مجنونة .

رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حذّر من أن “عجز الولايات المتحدة عن ترتيب خطط إنفاقها وخطط تقليص عجزها سيشكل خطراً على الاقتصاد العالمي” .

رئيس “البنك الدولي” جيم يونغ قال إن الشكوك المالية في الولايات المتحدة تثير قلقنا إلى أعلى درجة . ذلك ان الشكوك، مع وجود مظاهر هشاشة أخرى في الاقتصاد العالمي، يمكن ان تُلحق اضراراً خطيرة بالأسواق الناشئة والنامية في إفريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية” .

الحقيقة ان انعكاسات الازمة المالية الأمريكية المستجدة لن تلحق ضرراً باقتصاد الولايات المتحدة فحسب بل قد تطول ايضاً قواعدها العسكرية في الخارج . ذلك أن للولايات المتحدة في الخارج نحو ألف قاعدة عسكرية بأحجام متفاوتة، وهي تستلزم نفقات باهظة . وإزاء تقلّص مصالح امريكا في الخارج، وفي مقدمها مصالحها النفطية، وخصوصاً بعد بدء استخراج الغاز الصخري واحتمال تصديره بكميات وفيرة إلى الاسواق العالمية، فإن موضوع القواعد العسكرية وجدواها سيجد طريقه بالتأكيد إلى الكونغرس وبالتالي الى تقليص عددها ونفقاتها .

هذا الاحتمال يذكّر المحللين الاستراتيجيين بنظرية المؤرخ البريطاني الاصل بول كنيدي الذي ضمّنها كتابه الشهير “صعود الدول الكبرى وسقوطها”، ومفادها أن الدول الكبرى (وقبلها الامبراطوريات) تبدأ بالتراجع والسقوط عندما تصبح عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها الخارجية وتكلفتها الباهظة .

من الواضح أن الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة منذ صيف العام 2008 ما زالت تفعل فعلها السلبي باقتصاد البلاد، وتترك تداعياتها على المؤسسات في الداخل كما على التزامات امريكا في الخارج . فهل يكون اغلاق الحكومة مقدمة لإغلاق قواعدها في الخارج؟

About this publication