حرب أميركا الجديدة على “القاعدة”
بشكل متزامن ربما، نفذت وحدات عسكرية أميركية خاصة، أول من أمس، عمليتين في كل من ليبيا والصومال؛ مستهدفة قياديَين في تنظيم “القاعدة”. وفيما أسفرت العملية في ليبيا عن اعتقال “أبو أنس الليبي”، تتضارب الأنباء بشأن نتائج عملية الصومال، وما إذا قد نجحت فعلاً في قتل قيادي كبير في “حركة الشباب”.
وإذا أضيف إلى ذلك العمليات المتواصلة، باستخدام طائرات بلا طيار خصوصاً، للقضاء على أعضاء “القاعدة” في كل من اليمن وأفغانستان وباكستان، فقد يبدو ممكناً القول إن الحرب التي أعلنها الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش على الإرهاب/ “القاعدة”، ما تزال مستمرة في عهد سلفه باراك أوباما، ربما مع تغييرات يراها البعض إيجابية، كونها باتت حرباً محددة الهدف. لكن ذلك في الواقع يُخفي تحولاً في هذه الحرب، قد يكون الأخطر اليوم على العالم العربي.
إذ في مقابل الحزم الأميركي الجلي في كل الأمثلة السابقة، ترفض الإدارة الأميركية مجرد دراسة التدخل باستخدام طائرات دون طيار ضد “القاعدة” في العراق، كما تنقل مجلة “فورين بوليسي” الأميركية يوم الخميس الماضي؛ حتى وإن جاء ذلك بطلب رسمي عراقي عبّر عنه صراحة وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، وسفير بغداد في واشنطن لقمان الفيلي، في آب (أغسطس) الماضي. ولا تغير من الموقف الأميركي الرافض “للتدخل في شؤون الغير!” حقيقة أن حضور “القاعدة” في العراق هو أحد إفرازات الغزو الأميركي، وأن التنظيم مسؤول عن أكثرية إن لم يكن جميع العمليات الإرهابية التي عادت الآن بوتيرة غير مسبوقة ربما منذ العام 2003، ما أدى إلى مقتل 5740 شخصاً في الأشهر التسعة الماضية فقط، بينهم 887 شخصاً في أيلول (سبتمبر) الماضي وحده.
باختصار، وبشكل معلن لا يقبل التأويل، لم تعد “القاعدة” عدواً مطلقاً للولايات المتحدة؛ هي كذلك فقط حين تهدد المصالح الأميركية، كما في حالة أبو أنس الليبي المتهم، بحسب الأميركيين، بالضلوع في الهجمات على السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا العام 1998. وبالنتيجة، تغدو مشكلة “القاعدة” مشكلة عربية؛ محلية وإقليمية فقط، طالما بقيت في هذه الحدود، بغض النظر عما ترتكبه من فظائع، أو ما يرتكب باسم مكافحتها من فظائع مضادة، على نحو ما يفعل نظام بشار الأسد.
بل إن الأخطر أن يكون انشغال “القاعدة” في الساحات العربية مفيداً للولايات المتحدة، إن لم نقل أنه غايتها. يبدو ذلك واضحاً في مثال سورية، حيث يقتتل التنظيم مع حزب الله والنظام في حرب استنزاف كاملة ورخيصة في آن؛ تخدم إسرائيل خصوصاً، دون إطلاق أميركا والغرب عموماً رصاصة، أو إرسال جندي واحد. ويمكن دائماً استكمال ما لا تنجزه هذه الحرب الأهلية حين تصل مداها النهائي، إنما بأقل التكاليف والخسائر.
لكن ماذا يعني أن تغدو “القاعدة” قنبلة بفتيل مشتعل في الحضن العربي؟ كيف يمكن منعها من الانفجار الذي يعني هلاك الجميع؟ فشل الولايات المتحدة، وهي القوة العظمى، في القضاء على “القاعدة” عسكرياً وأمنياً، يعطي فكرة عن (وهم) الحل المجرب، الذي يجب استئصاله ابتداء من بين البدائل العربية لاستئصال “القاعدة” فعلاً.manar.rachwani@alghad.jo
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.