حين تفشل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في سياسة «العصا» مع إيران، تعود فتؤكد فشلها في سياسة «الجزرة»، وقد تمثل ذلك في القرار الغريب في أسلوبه وتوقيته، حيث قررت إدارة أوباما تعليق المساعدات لمصر، وهو القرار الذي لن يترك تأثيره على مصر فحسب، وإنما على كل دول الاعتدال في المنطقة التي تعد الحليف الأهم والرئيس للولايات المتحدة.
قرار إدارة أوباما يعيدنا إلى أواسط القرن الماضي، حين حاولت الإدارة الأميركية الضغط على مصر، وقرر وزير الخارجية جون فوستر دالاس رفض تمويل مشروع السد العالي، وحينها كانت النتيجة كارثية، حيث تحول هذا الرفض إلى بركان غضب في الشارع المصري حينها، مما أسهم في إضعاف صورة الولايات المتحدة في المنطقة.
وبإزاء السد العالي في الستينات فإن ما جرى من الشعب المصري، مسنودا بجيشه، في 30 يونيو (حزيران)، هو إعادة لبناء سد وطني سياسي برافعة قومية جديدة.
إنه الفشل في سياسة العصا، والذي أحال دولة بحجم الولايات المتحدة إلى أن تستجدي إيران في ما يخص ملفها النووي الذي مضى عليه أكثر من عشر سنوات من دون أي جديد سوى تمدد رقعة الجغرافية السياسية الإيرانية وازدياد نفوذها، وهذا الاستجداء ليس مشروطا حتى بملفات وقضايا إقليمية يجب أن تتنازل إيران فيها عن موقفها المتصلب.. وكل معطيات الفشل هذه تجعل قرار سياسة الجزرة في ما يخص المشهد المصري مستغربا، لأنه يعاقب دولة حليفة في وقت يعد فيه استقرارها من أهم عوامل ثبات وتوازن الحالة السياسية في المنطقة.
على البعد الآخر فإن توقيت القرار سيعطي إشارات سلبية في ما يخص دعم الجيش المصري وقوات الأمن في الحرب على الإرهاب في مناطق سيناء وما حولها التي تفشت فيها جماعات العنف المسلح بعد أن انتعشت خلال فترة حكم الإخوان، وهو ما يشكل في حال فشل القضاء عليه تهديدا حقيقيا لأمن إسرائيل المفتاح الأهم في قراءة علاقة الولايات المتحدة بالمنطقة.
ليس من المهم الآن الإسراف في حجم رد الفعل تجاه قرار الولايات المتحدة، بقدر أهمية قطع الطريق عليها باستعادة العلاقة الصحية بأميركا، وهي أهم من المساعدات، وذلك من خلال إلغاء القرار عبر تنفيذ خارطة طريق سياسية جديدة تحقق أعلى معايير التعددية وحقوق الناخبين وعدم التدخل في العملية السياسية.
الليونة التفاوضية من قبل إدارة أوباما مع إيران، رغم تزايد نفوذها السياسي في دول الجوار والمناطق المشتعلة بالأزمات، في مقابل الحزم الذي تعامل به الحكومة المصرية رغم أن الدولة تعيش مرحلة إعادة بناء، تحيلنا إلى أزمة حقيقية في تقدير الموقف تجاه المنطقة حيث حالة «اللاحسم» في المشهد السوري التي أسهمت في تسخين الحالة السياسية، والتراخي في دعم الاستقرار في مصر فوّت على الولايات المتحدة فرصة إعادة حضورها إلى المنطقة بحليف قوي ومتين بحجم مصر.
والسؤال: كم تبقى من رصيد الولايات المتحدة في دول المنطقة لضمان سير مصالحها الاستراتيجية رغم كل هذه التخبطات في المواقف؟
يعتمد الموقف على سلوك الولايات المتحدة خلال الفترة المتبقية من الإدارة الحالية، ومدى تأثير ذلك على الأزمات العالقة وأهمها الأزمة السورية، وبالمجمل فالسياق العام يوحي ببقاء حالة الارتباك في ظل غياب أي اختلالات عميقة في منسوب موازين القوى في المنطقة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.