Edited by Bora Mici
بدت ردود الفعل الدولية التي أثارتها فضيحة التجسس الأميركي، أشبه بزلزال سياسي هز الادارة الاميركية ، خاصة وان بين ال35 زعيم دولة الذين تجسست واشنطن، حلفاء مقربين مثل المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، التي طالت عمليات التجسس هاتفها النقال الشخصي، لكن قليلا من التأمل في هذه الفضيحة يوصل الى نتيجة مفادها، أن الامر لا يخرج عن خفايا العلاقات بين الدول ،التي تقوم في الغالب على الصراع والتنافس وتحقيق المصالح الخاصة، وذلك يتطلب بالضرورة مراقبة الآخرين، ومعرفة كيف يفكرون وما هي خططهم وامكاناتهم الاقتصادية والتجارية والعلمية والأمنية ،وطبيعة تحالفاتهم وما الى ذلك!
واذا كان الانسان فضوليا بطبعه يحاول» التلصص «على غيره، فان الدول كائنات حية كالبشر لها مصالحها واستراتيجياتها ..لها أعداء وأصدقاء ، وبالنتيجة فان الجميع «عبيد لمصالحهم»! وفي عالم أصبح يضيق بمن فيه، بسبب تفاقم المشكلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فضلا عن نزعة الأنانية، فان عمليات التجسس ومراقبة الآخرين تبدو أمرا طبيعيا.
أليس الأفراد حتى لو كانوا أصدقاء وزملاء عمل أو جيران وأقارب، يراقبون بعضهم بعضا ويحاولون معرفة أسرار غيرهم، والاطلاع على مشكلاتهم ،بل لعل «النميمة» التي لا تخلو منها لقاءاتنا وجلساتنا حتى التي تأخذ طابعا رسميا، ربما تكون أحد أهم «المتع» في حياتنا اليومية، والعديد من المشكلات التي تقع بين الأفراد وبعض الاصدقاء ،يكون سببها النميمة والاستغابة !
وفي دول هناك حكومات تراقب وتتجسس على مواطنيها بشكل عام ،وتدرس وتحلل أفكارهم وتوجهاتهم وميولهم السياسية والفكرية ،وتنفق أموالا طائلة على ذلك ، فلماذا الغرابة من تجسس الدول على بعضها البعض، والجميع يتذرع بالحفاظ على المصالح لتبرير مراقبته للآخرين وتجسسه عليهم ،وعندما انكشفت الفضيحة الاميركية الأخيرة « التجسس على 35 زعيم دولة وملايين الاشخاص في مختلف انحاء العالم ،ممن يستخدمون الهواتف النقالة وشبكة الانترنت «، تعرضت الادارة الاميركية للارتباك والاحراج، خاصة فيما يتعلق بالتجسس على هاتف ميركل،اضطر البيت الأبيض للاعتراف وتبرير ذلك، بأنه مجرد « جمع للمعلومات بهدف حماية الامن القومي الأميركي»!
الجميع يتجسس على الجميع، هذه قاعدة بدهية، لكن الامر مرتبط بتوفر الامكانيات، ولا شك ان الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى في عالم اليوم، وهي الاولى في انتاج تكنولوجيا المعلومات، وصاحبة الملكية الفكرية لشبكة الانترنت، ومصالحها ممتدة عبر العالم، والأجهزة الاستخبارية في كثير من الدول تزودها بالمعلومات، وبدا ذلك جليا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وما أعقبها من «حرب على الارهاب»! واللافت أن أكثر ردود الفعل الغاضبة كانت من قبل الحلفاء الاروبيين ،وتنديدهم بالتجسس بين الأصدقاء! أما دول اميركا اللاتينية، فاتخذت خطوة عملية تتمثل بمشروع لمنع التجسس الأمريكي يتضمن إنشاء وصلات جديدة للإنترنت، لا تمر بالأراضي الأمريكية وستصل مباشرة من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا، عن طريق الصين والهند وجنوب إفريقيا. لكن في عالمنا العربي المشمول بعمليات التجسس الاميركية ، بدا الأمر طبيعيا حيث لم يغضب أحد !
التجسس، هو أحد أهم الركائز السياسية للولايات المتحدة الاميركية، حتى فيما يتعلق بالشؤون الداخلية والتنافس بين الطبقة السياسية، وقد كانت فضيحت ووترغيت، أكبر فضيحة سياسية في تاريخ أميركا، حيث كان الرئيس نيكسون «الجمهوري « يخوض معركة التجديد في انتخابات 1972، فقرر التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى ووترغيت، فتفجرت أزمة سياسية هائلة أطاحت بالرئيس نيكسون في آب 1974 ،وتمت محاكمته بسبب الفضيحة.
لكن مهما تعاظمت قوة الدول، فان من السهل اختراقها وكشف مخططاتها السرية، فكما أن التكنولوجيا عنصر قوة، فهي يمكن أن تكون نقطة ضعف، ذلك أن فضيحة التجسس التي هزت العالم، كانت تستند الى الوثائق التي سربها قبل عدة أشهر شاب صغير يدعى «ادوراد سنودن» كان يعمل مستشارا في وكالة الأمن القومي الأميركي، تؤكد بأن الولايات المتحدة تتجسس على الاتصالات على نطاق واسع في العالم، وبعد كشفه لهذه الوثائق هرب من بلاده، واستقر به الوضع لاجئا سياسيا في روسيا !
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.