Washington’s Accounts in the Middle East

<--

لم تشهد العلاقات المصرية الأمريكية صعودا وهبوطا علي نحو ما شهدته خلال العامين الماضيين‏.‏ فلا شك أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية الأخيرة جاءت كلها علي أمل أن تعيد المياه إلي مجاريها‏,‏ غير أنه من المرجح أن هذه الزيارة لا تمثل ا‏a‏لتوافق العام داخل الإدارة والكونجرس الأمريكي‏.‏

فما زالت هناك أصوات تشكك وغير متفائلة من الوضع في مصر, ولا ترغب هذه الأصوات في أن تري تقاربا جديدا بين البلدين لا يخدم المصالح الأمريكية بالدرجة الأولي متسائلة عن الوزن الحقيقي لمصر في المنطقة في ظل الظروف المتقلبة والتي يصعب السيطرة عليها. وعلي صعيد آخر, فإن مصر أيضا علي غير مستعدة لأن ترتمي من جديد في أحضان الولايات المتحدة دون إعادة حساباتها والنظر هي الأخري إلي مصالحها بصفة أساسية. ولا شك أن السياسة المتعقلة التي ينتهجها وزير الخارجية نبيل فهمي في الشروع نحو إقامة توازنات موضوعية بين القوي الدولية دون تحيز أو عصبية تشهد علي أن مصر تأمل في إقامة سياسة أكثر نضجا وأكثر اتزانا ليس فقط مع الولايات المتحدة بل وجميع القوي التي تهمنا وتعود علاقاتنا معها بالنفع علينا, سواء اقتصاديا أو استثماريا أو سياسيا.
بيد أن زيارة كيري للقاهرة كان لها مغزاها والذي يجب ألا نغفله في تحليلنا.
وفي إيجاز شديد يبدو أن الولايات المتحدة تعيد حساباتها بشأن الخروج الآمن من الشرق الأوسط والتوجه إلي آسيا علي نحو ما كان مرجحا عند بدء المرحلة الثانية للرئيس الأمريكي. وهذا هو التوجه الذي ما زالت تدفع به رئيسة الأمن القومي سوزان رايس, حيث تري أن إعادة بناء الاقتصاد الأمريكي يعتمد علي الأسواق الآسيوية ومنافسة التوغل الصيني هناك, خاصة في ضوء تراجع الاعتماد الأمريكي علي بترول الشرق الأوسط والخليج. وعلي الرغم من أن التوجه الآسيوي مازال قائما, وإن كان بدرجة أقل, فإن خروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط لم يعد أمرا حتميا, بل يبدو أن بقاءها أصبح أكثر قوة وصلابة من خلال ما ترمي إليه الإدارة الأمريكية الحالية من تحقيق هدف مزدوج يشمل كسر الحلقة العدائية والسعي نحو التوصل إلي اتفاق مع إيران, من ناحية, واتفاق فلسطيني-إسرائيلي, من ناحية أخري. وإن تسني لهذه الإدارة تحقيق ذلك فإن ذلك سوف يتيح للرئيس أوباما دخول التاريخ من أوسع أبوابه.
أما بالنسبة للتوصل إلي اتفاق مع إيران بشأن تخفيف الحظر الاقتصادي مقابل مزيد من الشفافية والتدرج في البرنامج النووي الإيراني, فيبدو أن مثل هذا الهدف لم يكن غائبا عن الدبلوماسية الأمريكية عند تراجعها عن ضرب سوريا, ليس تحسبا فقط للفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن, ولكن تحسبا أيضا لعلاقة إيران بسوريا, وما كان متوقعا من تبعات أكثر خطورة وتفاقما عن تلك التي يشهدها العراق في الوقت الراهن, وبما قد يدعم التفوق الشيعي علي التوجه السني في المنطقة, مما أثار مخاوف بل وغضب المملكة السعودية ودول الخليج, وإسرائيل التي أقامت الدنيا ولم تقعدها وقيام نتنياهو بالتهديد علنا بشن الحرب علي إيران إذا لزم الأمر دفاعا عن الأمن القومي الإسرائيلي. ولقيت الإدارة الأمريكية في المبادرة الإيرانية للرئيس روحاني في الجمعية العامة فرصة سانحة وضرورة عدم تفويتها.
السؤال المطروح هو ما الذي جاء بكيري في خضم كل هذه التطورات في المنطقة إلي القاهرة ؟ وأسارع بالقول إن ما أقدمه من تحليل هنا, إنما هو تحليل مبدئي, وإن يبدو من وجهة نظري تحليلا منطقيا وعمليا. يمكن لمصر أن تقوم بدور صمام الأمان في هذه الأزمة المحتدة وغضب المملكة السعودية وإسرائيل من السياسة الأمريكية الجديدة للرئيس أوباما والتي تتمثل في مجملها في الابتعاد التام عن سياسة سلفه الانفرادية والتي أقحمت الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان ضاربة عرض الحائط وغير آبهة باعتراض المجتمع الدولي ككل. فمما لا شك فيه أن تهدئة المارد الشيعي في المنطقة والتحكم في طموحاته يصب في مصلحة المنطقة ككل. أما بالنسبة للتوصل إلي اتفاق فلسطيني ــ إسرائيلي, فعلي الرغم من التوتر السائد حاليا, فإن ثقل مصر ودورها لا غني عنهما من خلال الحرص علي موازنة هذا الاتفاق كطرف عامل وتعبئة المنطقة إن تحقق لصالح تنفيذه بشكل عملي. أما بالنسبة لمصر, فيتعين عليها بقوة إشراك الشعب فيما تقوم به من تنشيط ظاهر وجلي لسياستها الخارجية وإعادة هيكلتها, مع توضيح أنه ليس المقصود منه التمييز لمصلحة قوي علي حساب أخري. فإن مثل هذه السياسات قضت وانفض أمرها, وأن المصالح المشتركة بين هذه القوي هي الغالبة. أضف إلي هذا, ما نشاهده من تحولات جذرية لا نعرف مداها بعد ولكن من المحتم أنها تعيد تقسيم المنطقة ابتعادا عن اتفاقيات سايكس بيكو ويكون للمصالح الأمريكية الروسية الدور الغالب فيها.

About this publication