America and the Last Lifeboat!

<--

الولايات المتحدة .. وسفينة النجاة الأخيرة !!

شؤون سياسية

الاثنين 11-11-2013

 محمد عبد الكريم مصطفى

لا تُخفي الولايات المتحدة الأمريكية قلقها مما يجري على الساحة الدولية من تغيرات دراماتيكية لم تكن ضمن حساباتها الإستراتيجية ،

ويرى المراقبون أن الاتفاقات الأمريكية الروسية التي جاءت في المرحلة الأخيرة تجاه سورية كانت بمثابة سفينة نوح التي أنقذت الإدارة الأمريكية في آخر لحظة من الغرق في رمال منطقة الشرق الأوسط المتحركة التي كادت أن تلتهم حضارة رعاة البقر وتقلب الطاولة على رؤوس الساسة الأمريكان وتُريح العالم من أهم وأخطر نظام امبريالي عرفه تاريخ البشرية ، لكن بالرغم من كل ذلك لم تتعظ الإدارة الأمريكية وتسعى لتحسين صورتها القاتمة السواد ، وهي تستمر بالمراوغة واللعب على الأحداث بما يحفظ لها وجوداً ولو مؤقتاً على الساحة الدولية تُعِّبر من خلاله عن سياستها الظالمة التي فرضتها على شعوب منطقة الشرق الأوسط طيلة عقدين من الزمن .‏

إن تقديم موعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي « جون كيري « إلى القاهرة لتأتي قبل يوم واحد من موعد محاكمة الرئيس المخلوع محمد مرسي ، تحمل أكثر من إشارة للحكومة المصرية المؤقتة ، وفي مقدمتها التأكيد على تمسك الولايات المتحدة الأمريكية بتحالفها الإستراتيجي مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر ، لما بين تلك الجماعة والولايات المتحدة من اتفاقيات ، انتشار مضمونها يُشكل فضيحة العصر للإدارة الأمريكية ، لاسيما أن جماعة الإخوان المسلمين تُعتبر الراعي الأساسي للإرهاب الدولي العابر للحدود ، والأخ اللدود لتنظيم القاعدة الوهابي السعودي .‏

من المؤكد أن الإدارة الأمريكية وضعت نفسها في مأزق لا تُحسد عليه نتيجة اعتمادها سياسة رعاة البقر الهوجاء في العالم ، حيث تجدها تُحارب الإسلام وفكره العلماني التنويري المتطور ، وتتحالف مع الأصولية الإسلامية المتطرفة التي تُمثلها التيارات التكفيرية الوهابية والإخوان المسلمون تارةً ، وتدعي محاربة الإرهاب ووضعه ضمن إطار أعداء أمريكا وأعداء الحرية تارةً أخرى ، وهنا يكمن سر الصوت العالي الذي صدر عن أحد أمراء العمالة في السعودية في وجه الولايات المتحدة ، وهي بروبغندا غريبة نوعاً ما أن نجد العبد يرفع صوته في وجه سيده ، وعندما يقول « بندر بن سلطان سنقوم بتقليص علاقاتنا الحيوية مع الولايات المتحدة ، فإنه يعتمد في ذلك على محورين أساسيين : أحدهما يُشير إلى أهمية ما يمتلكه هو من معلومات سرية وخطيرة وإن انكشاف أمرها يضر بالسياسة الأمريكية ويضرب مصالحها الحيوية في العالم ، والمحور الآخر يتعلق بمصير النظام العائلي في السعودية وارتباطه كذلك بمصالح الولايات المتحدة في العالم ، خاصة أن السعودية تمتلك أعداداً وقدرات مرعبة من الإرهابيين الذين تستطيع تحريكهم ضد أعدائها في كل مكان ، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها ، لذلك نجد أن زيارة وزير خارجية أمريكا للسعودية تحمل في طياتها مجموعة من الإشارات المهمة :‏

– في مقدمتها طمأنة السعودية باستمرار الولايات المتحدة في اعتمادها على نظام الحكم في السعودية مع بعض الضرورة لإحداث حركة تغيير شكلية داخل العائلة الحاكمة تُخفف من حجم الهجمة القادمة على بساط رياح « الربيع العربي « الذي شاركت السعودية في تحريكه ضد الدول العربية دون أن تدري مداه الحقيقي وحجم تأثيره القادم عليها .‏

– توضيح الواقع الدولي الجديد وإفهام العائلة الحاكمة في السعودية بأن القرار الدولي لم يعد حكراً للولايات المتحدة ، وعليهم جميعاً قبول هذا التغيير والشراكة الدولية الملزمة .‏

– لم تتعود الإدارة الأمريكية على مدى تاريخها مناقشة العملاء في مصيرهم ومستقبلهم ، بل كانت تُعطي التعليمات باستمرار ، واليوم مع التطورات الحاصلة وجدت لزاماً عليها خلق أجواء جديدة فيما بين حلفائها ليتمكنوا من استيعاب التغيرات الدولية الجديدة بأقل الخسائر الممكنة .‏

ويبغي وزير الخارجية الأمريكية من خلال جولته الجديدة في المنطقة وتصريحاته المتناقضة مع التوافقات الروسية – الأمريكية بخصوص جزئيات الواقع السوري وما اعتبرته الخارجية السورية تدخلاً سافراً ومرفوضاً في الشأن السوري الداخلي الذي هو من اختصاص وصلاحية الشعب السوري دون غيره ، ولا تخرج تصريحات «كيري « عن كونها محاولة لبث روح الطمأنينة بين حلفائهم الذين بدؤوا يتحسسون حجم الخطر القادم عليهم نتيجة رد الفعل المتوقع على مواقفهم وسياساتهم العدوانية تجاه الشعب والدولة السورية وحربهم القذرة ضد سورية .‏

على كل حال وبالرغم من قراءة سورية قيادة وجيشاً وشعباً للأحداث بواقعية وموضوعية ، وقبولها بالمبادرة الروسية ، وما توصل إليه الروس مع الأمريكان من تعهدات مشتركة باستبعاد الحل العسكري والعمل على الإسراع بالحل السياسي عبر الحوار ، نجد أن هناك البعض ممن يُحاولون تغيير قواعد اللعبة ، ووضع العصي في دواليب الحل المنتظر من جنيف2 ، في محاولة يائسة لإطالة أمد الحرب على سورية ، في الوقت الذي تنتظر فيه الحكومة السورية مواقف علنية وجريئة من كافة الدول التي ستدعى إلى جنيف ، بمحاربة الإرهاب ووقف كل أشكال الدعم المالي والعسكري واللوجستي للعناصر الإرهابية ، ووضع حد لكل الدول الإقليمية والبعيدة لتدخلها في الشأن السوري ، وفي خلاف ذلك لن يتمكن السوريون من وضع خارطة طريق مجدية للخلاص من أزمة أرقت الجميع دون استثناء ، ولا مصلحة لأي كان في استمرارها ، لأن انعكاساتها السلبية بدأت بالتطاير في جميع الاتجاهات ، لذلك أصبح إيجاد حل سريع للأزمة السورية مطلباً دولياً بامتياز ومصلحة عامة تتحمل مسؤوليتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول الراعية لمؤتمر جنيف2 .‏

About this publication